الخميس، 27 أبريل 2023

كتاب صفة الجنة الحافظ ضياء الدين بي عبد الله محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي

كتاب صفة الجنة الحافظ ضياء الدين بي عبد الله محمد بن عبد الواحد الحنبلي المقدسي

تحقيق صبري بن سلامة شاهين

دار بلنسية / الرياض

1423- 2002

كتاب صفة الجنة

تأليف

الشيخ الإمام العالم الزاهد الفاضل ضياء الدين أبي عبد الله

محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الله المقدسي

نفع الله المسلمين بطول حياته غفر الله له

ونفع الله بها صاحبها وكاتبها وقارئها

بكرمه ومنه وفضله

ولله الحمد والمنة وصلواته على نبينا محمد وآله وأصحابه

وسلامه تسليما كثيرا

ورضي الله عن أبي بكر الصديق وعن عمر بن الخطاب

وعن عثمان بن عفان وعن علي ابن أبي طالب

وعن أصحاب رسول الله أجمعين

واحشرني في زمرتهم يا رب العالمين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه قال الشيخ الحافظ العالم العابد ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن المقدسي متع الله المسلمين بطول حياته.

ذكر عدد أبواب الجنة نسأل الله من فضله أن يدخلناها

(1) عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الجنة ثمانية أبواب باب منها يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون. صحيح اتفق البخاري ومسلم على إخراجه فرواه البخاري في صفة الجنة كما أخرجاه عن سعيد بن أبي مريم غير أنه قال فيها باب يسمى. ورواه في كتاب الصوم عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال ورواه مسلم في الصوم.

(2) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة وللجنة أبواب فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصوم دعي من باب الريان. فقال أبو بكر والله يا رسول الله ما على أحد من ضرورة دعي فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله قال نعم وأرجو أن تكونه منهم. صحيح أخرجه البخاري ومسلم بنحوه من حديث الزهري.

(3) عن شرحبيل بن شفعة قال لقيني عتبة بن عبد السلمي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم يتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل. أخرجه ابن ماجه في سننه.

ذكر أول من يفتح له باب الجنة وأول من يقرعه

(4) عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح ويقول الخازن من أنت فأقول محمد قال يقول بك أمرت أن لا افتح لأحد قبلك. صحيح أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان.

(5) عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة.

(6) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أول من يفتح له باب الجنة إلا أن امرأة تبادرني فأقول لها مالك أو ما أنت فتقول أنا امرأة قعدت على أيتامي.

ذكر سعة أبواب الجنة اللهم أدخلنا الجنة بفضل رحمتك

(7) عن أبي هريرة قال وضعت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة من ثريد ولحم فتناول الذراع وكان أحب الشاة إليه فنهش نهشة وقال أنا سيد الناس يوم القيامة ثم نهش أخرى وقال أنا سيد الناس يوم القيامة فلما رأى أصحابه لا يسألونه قال ألا تتقون قالوا كيف يا رسول الله قال يقوم الناس لرب العالمين فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر -وذكر حديث الشفاعة وقال في آخره- فأنطلق فآتي العرش فأقع ساجدا لربي فيقيمني رب العالمين مقاما لم يقمه أحدا قبلي ولن يقيمه أحدا بعدي فيقول يا محمد أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن وهم شركاء الناس في الأبواب الأخرى والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة ما بين عضادتي الباب لكما بين مكة وهجر أو هجر لا أدري أي ذلك. قال صحيح اتفق البخاري ومسلم على إخراجه فأحد طرق البخاري عن محمد بن مقاتل عن ابن المبارك عن أبي حيان يحيى بن سعيد عن أبي زرعة هرم بن عمرو بن جرير البجلي بنحوه. وفي رواية أبي حيان لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى. ورواه مسلم من طرق أحدها هذه التي رويناه منها.

(8) عن أبي خيثمة زهير بن حرب عن خالد بن عمير العدوي قال خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حداء وإنما بقي صُبَابة كصُبَابة الإناء يتصابها صاحبها وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها فانتقلوا بخير ما بحضرتكم فلقد ذكر لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما مسيرة أربعين سنة وليأتين عليه يوم وهو كظيظ الزحام. أخرجه مسلم في صحيحه.

(9) عن شيبان بن فروخ عن حماد بن سلمة قال سمعت الجريري يحدث حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنتم توفون سبعين أمة أنتم آخرها وأكرمها على الله وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما وليأتين عليه يوم وله كظيظ. رواه الإمام أحمد في مسنده وفيه وإنه لكظيظ.

(10) عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن ما بين مصراعين في الجنة لمسيرة أربعين سنة.

ذكر ما بين البابين من أبواب الجنة

(11) عن عاصم بن لقيط أن لقيط بن عامر خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت يا رسول الله فما الجنة والنار قال لَعَمْرُ إلهك إن للنار سبعة أبواب ما فيهن بابان إلا يسير الراكب سبعين عاما وأن للجنة ثمانية أبواب ما منهما بابان إلا يسير الراكب بينهما سبعين عاما.

ذكر مفتاح الجنة نسأل الله من فضله

(12) عن معاذ قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله. كنت أطوف على هذا الحديث في ذكر مفتاح الجنة فرأيت فيما يرى النائم قبل أن أجده كأن بيت مسعود بن أبي بكر قد سألوني أن أطلب من النبي صلى الله عليه وسلم فيها ومعه جماعة من الصبيان فيها وأنا أنتظره حتى ينزل منها فغاب عني كيف كان نزوله منها وكأنني اجتمعت معه صلى الله عليه وسلم في بعض المساجد وكأنه قاعد وأنا قائم وعليه ثوب أخضر أو أزرق كأنه عنابي وعمامة بيضاء فقال لي إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى عليه صلاة صلى الله عليه عشرا. ثم نظر إلي صلى الله عليه وسلم فقال إن هذا مفتاح جيد. أو نحو هذا ثم انتبهت فبقيت لحظة أتذكره وإذا المؤذن يؤذن لصلاة الفجر.

ذكر أن الجنة لا يدخلها أحد إلا بجواز

(13) عن سلمان الفارسي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان ابن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية.

(14) عن سلمان الفارسي أن النبي صلى الله عليه وسلم يعطى المؤمن جوازا على الصراط بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لفلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية.

ذكر أول زمرة تدخل الجنة نسأل الله بفضله وكرمه أن يجعلنا منهم آمين

قرئ على الشيخ الإمام الزاهد أبي علي عمر بن علي بن عمر الواعظ الحربي رحمه الله ونحن نسمع بها أخبركم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن الحصين قراءة عليه وأنت تسمع فأقر به.

(15) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر كليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون فيها ولا يتغوطون فيها، آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ومجامرهم من ألوة ورشحهم المسك لكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقها من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشية. صحيح اتفق البخاري ومسلم على إخراجه فرواه البخاري في صفة الجنة عن محمد بن مقاتل عن ابن المبارك وأخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق كلاهما عن معمر بنحوه.

ذكر الزمرة الثانية من أهل الجنة

(16) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الألوة وأزواجهم الحور العين أخلاقهم على رجل واحد على صورة أبيهم آدم عليه السلام ستون ذراعا في السماء. صحيح اتفق البخاري ومسلم على إخراجه أخرجه البخاري في خلق آدم عليه السلام ورواه مسلم في آخر كتابه جميعا عن قتيبة بن سعيد عن جرير بنحوه ورواه مسلم أيضا عن أبي خيثمة كما أخرجاه غير أنه قال على أشد كوكب.

ذكر أن الله عز وجل فضل بعض أهل الجنة على بعض وأن الله يبلغ بفضله من أراد من المؤمنين درجة الأنبياء عليهم السلام

(17) عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين. اتفق البخاري ومسلم على إخراجه. رواه البخاري عن عبد العزيز بن عبد الله عن مالك وأخرجه مسلم كما أوردناه وروايتهما سواء غير أن في رواية البخاري في الأفق.

(18) عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في أفق السماء. اتفق البخاري ومسلم على إخراجه رواه البخاري عن القعنبي عن عبد العزيز بن حازم عن أبيه وأخرجه مسلم عن قتيبة ووقع لنا موافقة في شيخه وقالا جميعا الكوكب في السماء.

(19) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في تفاضل الدرجات قالوا يا رسول الله أولئك النبيون قال بلى والذي نفسي بيده وأقوام آمنوا بالله عز وجل وصدقوا المرسلين. هذا الحديث على شرط البخاري والله أعلم.

(20) عن عائشة قالت جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله والله إنك لأحب إلي من نفسي وإنك لأحب إلي من أهلي وأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين) الآية. لا أعلم بإسناد هذا الحديث بأسا والله أعلم.

ذكر أعلى منزلة في الجنة وما اسمها

(21) عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة. أخرجه البخاري في صحيحه عن علي بن عياش.

(22) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة. صحيح أخرجه مسلم في صحيحه عن محمد بن سلمة المرادي وترك ذكر ابن لهيعة.

(23) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا صليتم علي فسألوا الله لي الوسيلة قيل يا رسول الله وما الوسيلة قال أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو. كذا رواه الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده.

(24) عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلوا الله لي الوسيلة فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة. قال سليمان بن أحمد لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا موسى بن أعين.

ذكر أعلى الجنات وأفضلها نسأل الله من فضله

(25) عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن. صحيح اتفق البخاري ومسلم على إخراجه فرواه البخاري في كتاب التوحيد عن علي بن المديني ورواه مسلم في كتاب الله الإيمان عن نصر بن علي وغيره كلهم عن عبد العزيز بن عبد الصمد ووقع لنا موافقة في شيخ مسلم.

(26) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من آمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان فإن حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها قالوا يا رسول الله أفلا نخبر الناس قال إن في الجنة مئة درجة أعدها الله عز وجل للمجاهد في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تُفَجَّرُ أو تَفَجَّرُ أنهار الجنة. شك أبو عامر. صحيح أخرجه البخاري عن إبراهيم بن منذر عن محمد بن فليح عن أبيه بمعناه.

(27) عن أنس بن مالك أن أم الربيع ابنة البراء وهي أم حاثة ابن سراقة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة -وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب- فإن كان في الجنة صبرت وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه البكاء فقال يا أم حارثة إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى. قال قتادة الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها. أخرجه البخاري بنحوه في الجهاد عن محمد بن عبد الله عن حسين بن محمد بن أحمد عن شيبان.

(28) عن معاذ بن جبل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى هؤلاء الصلوات الخمس وصام شهر رمضان -لا أدري ذكر زكاة أم لا- كان حقا على الله أن يغفر له هاجر أو قعد حيث ولدته أمه قلت يا رسول الله ألا أخرج فأوذن الناس فقال لا ذر الناس يعملون فإن في الجنة مئة درجة بين كل درجتين منهما مثل ما بين السماء والأرض وأعلى درجة منها الفردوس وعليها يكون العرش وهي أوسط شيء في الجنة ومنها تفجر أنهار الجنة فإذا سألتم الله تعالى فسألوه الفردوس. أخرجه الترمذي في صفة الجنة بنحوه عن قتيبة وأحمد بن عبدة الضبي كلاهما عن عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار. وأخرجه ابن ماجه من قوله فإن الجنة مئة درجة. إلى آخره عن سويد بن سعيد عن حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم.

(29) عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الجنة مئة درجة ما بين كل درجتين مسيرة مئة عام والفردوس أعلاها درجة ومنها تفجر الأنهار الأربعة والعرش فوقها فإذا سألتم الله فسألوه الفردوس الأعلى. أخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع.

(30) عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الفردوس ربوة الجنة وأعلاها وأوسطها ومنها تفجر أنهار الجنة. سعيد بن بشير كان شعبة يوثقه وتكلم فيه غيره وقد روي من غير هذا الطريق.

(31) عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل الله تعالى في آخر ثلاث ساعات يبقين من الليل فينظر الله في الساعة الأولى منهن في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ثم ينظر في الساعة الثانية في جنة عدن وهي مسكنه الذي يسكن لا يكون معه فيها أحد إلا الأنبياء والشهداء والصديقون وفيها ما لم يره أحد ولا خطر على قلب بشر ثم يهبط آخر ساعة من الليل فيقول ألا مستغفر يستغفرني فأغفر له ألا سائل يسألني فأعطيه ألا داع يدعوني فأستجيب له حتى يطلع الفجر وكذا قال الله عز وجل: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) فيشهده الله وملائكته.

(32) عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله بنى الفردوس بيده وحظرها على كل مشرك وكل مدمن الخمر سكير.

(33) عن عبد الله بن الحارث قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله تبارك وتعالى ثلاثة أشياء بيده خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده وغرس الفردوس بيده ثم قال وعزتي لا يدخلها مدمن خمر ولا الديوث قالوا يا رسول الله قد عرفنا مدمن الخمر فما الديوث قال الذي يقر السوء في أهله. اسم أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي تكلم فيه بعض العلماء.

ذكر أفضل أهل الجنة منزلة نسأل الله من فضله

(34) عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أدنى أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة يرى أقصاه كما يرى أدناه ينظر إلى أزواجه وسرره وخدمه وإن أفضلهم منزلة من ينظر في وجه الله تعالى كل يوم مرتين. رواه الترمذي بنحوه وقال رواه من غير وجه عن ابن عمر مرفوعا ورواه عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم يرفعه. قلت رواه أبو نعيم عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت ابن عمر يقول إن أدناه قال ألف سنة. وقال إسرائيل لا أعلم ثوير إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ذكر أفضل ما يعطى أهل الجنة نسأل الله من فضله

(35) عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا. صحيح هكذا أخرجه مسلم رواه البخاري عن معاذ بن أسد عن عبد الله بن المبارك.

(36) عن جابر بن عبد الله قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله عز وجل هل تشتهون شيئا فأزيدكم قالوا يا ربنا ما خير ما أعطيتنا قال رضواني أكبر. هذا عندي على شرط الصحيح والله أعلم.

ذكر عدد درجات الجنة

(37) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة مئة درجة ما بين كل درجتين مسيرة خمسمئة عام. أخرجه الترمذي في صفة الجنة عن عباس العنبري عن يزيد بن هارون وقال حديث حسن صحيح وعنده ما بين كل درجتين مئة عام.

(38) عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للجنة مئة درجة لو أن العالمين اجتمعوا في إحداهن وسعتهم. رواه الترمذي عن قتيبة عن ابن لهيعة.

ذكر أن الله عز وجل بفضله وكرمه أعد لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
(39) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر مصداق ذلك في كتاب الله: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون). كذا أخرجه مسلم في صحيحه وقد رواه البخاري عن الحميدي وعلي بن المديني عن سفيان هو ابن عيينة.

(40) عن سهل بن سعد يقول شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ثم قال في آخر حديثه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم اقترأ هذه الآية: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون). رواه مسلم في صحيحه عن هارون.

(41) عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة رفعه ابن أبجر ولم يرفعه مطرف قال قال موسى عليه السلام يا رب أخبرني عن أدنى أهل الجنة منزلة قال نعم هو رجل يجيء بعدما نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال له ادخل الجنة فيقول يا رب وكيف أدخلها وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم فيقال أما ترضى أن يكون لك مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت ربي فيقول فإن لك مثله ومثله وعقد سفيان أصابعه الخمس فيقول رضيت ربي فيقول فإن لك هذا ما اشتهيت نفسك ولذت عينك فيقول رضيت ربي قال موسى يا رب فأخبرني عن أعلى أهل الجنة منزلة قال نعم أولئك الذين أردت وسأخبرك عنهم غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ومصداق ذلك في كتاب الله: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون). صحيح أخرجه مسلم في صحيحه عن سعيد بن عمرو الأشعثي ومحمد بن أبي عمر العدني وبشر بن الحكم عن سفيان بن عيينة بنحوه وفي رواية ابن أبي عمر يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذكر تكلم الجنة

(42) عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خلق الله جنة عدن خلق ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمي فقالت قد أفلح المؤمنون.

ذكر بناء الجنة نسأل الله من فضله أن يدخلنا الجنة

(43) عن أبي هريرة يقول قلنا يا رسول الله إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد قال لو تكونون أو قال لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم قال قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها قال لبنة ذهب ولبنة فضة وملاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم لا يبأس ويخلد لا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماوات ويقول الرب وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين. كذا أخرجه الإمام أحمد في مسنده ورواه الترمذي.

(44) عن ابن عمر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجنة فقال من يدخل الجنة يحيا لا يموت وينعم لا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه قيل يا رسول الله كيف بناؤها قال لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها مسك أذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران.

(45) عن فاطمة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم أبن أمنا خديجة قال في بيت من قصب لا لغو فيه ولا نصب بين مريم وآسية امرأة فرعون قالت أمن هذا القصب قال لا من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت. قال الطبراني لا يروى هذا الحديث عن فاطمة إلا بهذا الإسناد تفرد به صفوان بن عمرو.

ذكر تربة الجنة نسأل الله الجنة بفضله وكرمه

(46) عن أنس بن مالك قال كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال دخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك. صحيح مختصر من حديث المعراج اتفق البخاري ومسلم على إخراجه بطوله من حديث يونس بن يزيد الأيلي فرواه البخاري في الصلاة من غير طريق أحدها عن يحيى بن بكير عن الليث بن سعد رواه مسلم في كتاب الإيمان عن حرملة بن يحيى المصري ووقع لنا موافقة.

(47) عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ابن صائد عن تربة الجنة فقال درمكة بيضاء مسك خالص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق. صحيح أخرجه مسلم بنحوه.

ذكر لون الجنة نسأل الله بفضله وكرمه

(48) عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خلق الله الجنة بيضاء وأحب الزي إلى الله البياض فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم ثم أمر برعاء الشاء فجمعت فقال من كان ذا غنم سود فليخلط بها بيضاء فجاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني اتخذت غنما سوداً فلا أراها تنمو قال عفّري.

ذكر نور الجنة نسأل الله بفضله وكرمه

(49) عن زميل بن سماك سمع أباه يحدث أنه لقي عبد الله بن عباس بالمدينة بعدما كف بصره فقال يا ابن عباس ما أرض الحنة قال مرمرة بيضاء من فضة كأنها مرآة قلت ما نورها قال ما رأيت الساعة التي تكون فيها قبل طلوع الشمس فذلك نورها ألا إنه ليس فيها شمس ولا زمهرير قال قلت فما أنهارها أفي أخدود قال لا ولكنها تجري على أرض الجنة مستكفة لا تفيض ها هنا ولا ها هنا قال الله لها كوني فكانت قلت فما حلل الجنة قال فيها شجرة فيها ثمر كأنه الرمان فإذا أراد ولي الله منها كسوة انحدرت إليه من غصنها فانفلقت له عن سبعين حلة ألوانا بعد ألوان ثم تستطبق فترجع كما كانت.

ذكر موضع سوط في الجنة ونحوه

(50) عن سهل بن سعد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها. أخرجه البخاري عن القعنبي.

(51) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيد سوط أحدكم من الجنة خير مما بين السماء والأرض. أخرجه الإمام أحمد في المسند وهذا على شرط الصحيحين والله أعلم.

(52) عن أبي عمرو بن الحارث أن سليمان بن حميد حدثه أن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال سليمان لا أعلم إلا أنه حدثني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لو أن ما أقل ظفر من الجنة برز للدنيا لتزخرفت له ما بين السماء والأرض. رواه الترمذي أطول من هذا.

ذكر الخيام في الجنة نسأل الله من فضله بفضله

(53) عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا. هكذا أخرجه مسلم في صحيحه وقد أخرجه البخاري أيضا عن حجاج بن منهال عن همام عن أبي عمران بنحوه وقال ثلاثون ميلا وقال قال أبو عبد الصمد والحارث بن عبيد عن أبي عمران ستون ميلا. وقد رواه أيضا من رواية أبي عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد عن أبي عمران.

ذكر غرف الجنة نسأل الله من فضله بفضله

(54) عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها فقام أعرابي فقال يا رسول الله لمن هي قال لمن طيب الكلام وأطعم الطعام أدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام. أخرجه الترمذي عن علي بن حجر بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق.

(55) عن معاوية بن سلام عن زيد بن سلام حدثني أبو سلام حدثني أبو معانق الأشعري حدثني أبو مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وأدام الصيام وصلى بالليل والناس نيام. ورواه يحيى بن أبي كثير فقال عن معانق أو ابن معانق.

(56) عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها قال أبو مالك الأشعري لمن هي يا رسول الله قال لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائما والناس نيام. هذا عندي إسناد حسن وذكر أبي مالك فيه مما يدل على صحته لأن أبا مالك قد رواه. وإسناده أيضا حسن.

ذكر شجر الجنة

(57) عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها. أخرجه البخاري ومسلم جميعا عن إسحاق بن راهويه عن مغيرة المخزومي عن وهيب.

(58) عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مئة عام ما يقطعها. أخرجه البخاري ومسلم جميعا عن إسحاق مع الحديث الأول إلا أن البخاري قال وقال إسحاق.

(59) عن أبي هريرة قال قال رسول الله في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة سنة اقرءوا إن شئتم: (وظل ممدود) وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاب قوس أو سوط في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب. رواه البخاري في صحيحه عن محمد بن سنان عن فليح ولم يذكر السوط. وقال مما طلعت عليه الشمس أو تغرب. وروى مسلم من رواية الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة سنة لا يقطعها.

(60) عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: (وظل ممدود) قال في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عامة لا يقطعها. أخرجه البخاري في صفة الجنة عن روح بن عبد المؤمن عن يزيد ابن زريع.

(61) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما أو مئة سنة هي شجرة الخلد. كذا رواه الإمام أحمد في مسنده.

(62) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رجل يا رسول الله ما طوبى قال شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها. رواه حرملة فذكره ابن باده.

(63) عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في الجنة شجرة إلا ساقها من ذهب. أخرجه الترمذي في صفة الجنة عن عبد الله بن سعيد أبي سعيد الكندي الأشج وقال حسن غريب.

(64) عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك قال طوبى  لمن رآني وآمن بي ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني فقال رجل يا رسول الله وما طوبى قال شجرة في الجنة مسيرة مئة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها.

(65) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال نخل الحنة جذوعها من زمرد أخضر وكربها ذهب أحمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال والدلاء أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس فيه عجم.

(66) عن عكرمة عن ابن عباس قال الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مئة عام في كل نواحيها قال فيخرج إليها أهل الجنة أهل الغرف وغيرهم فيتحدثون في ظلها قال فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا فيرسل الله ريحا من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا.

ذكر ثمر الجنة نسأل الله من فضله

(67) عن عبد الله بن عباس قال خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فذكر صلاة الكسوف وفيه قالوا يا رسول الله رأيناك تناولت شيئا في مقامك هذا ثم رأيناك تكعكعت فقال إني رأيت الجنة أو أريت الجنة فتناولت منها عنقودا ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا. صحيح اتفق البخاري عن القعنبي وعبد الله بن يوسف وإسماعيل ابن أبي أويس ثلاثتهم عن مالك ورواه مسلم عن محمد بن رافع عن إسحاق بن عيسى عن مالك.

(68) عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان فقلت يا جبريل ما هذا قال أما النهران الباطنان ففي الجنة وأما النهران الظاهران فالنيل والفرات. رواه البخاري بنحوه من رواية شعبة عن قتادة عن أنس تعليقا وفي صحيح مسلم من رواية ثابت عن أنس ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال.

(69) عن جابر قال بينا نحن في صلاة الظهر إذ تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدمنا ثم تناول شيئا ليأخذه ثم تأخر فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب يا رسول الله صنعت اليوم في الصلاة شيئا ما كنت تصنعه قال إنه عرضت علي الجنة وما فيها من الزهرة والنضرة فتناولت منها قطفا لآتيكم به فحيل بيني وبينه ولو آتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه. روي عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت علي الجنة حتى لو تناولت منها قطفا أخذته أو قال تناولت منها قطفا فقصرت يدي عنه. هذا القدر في صحيح مسلم.

(70) عن يحيى بن أبي كثير عن عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الحوض وذكر الجنة ثم قال الأعرابي فيها فاكهة قال نعم وفيها شجرة طوبى فذكر شيئا لا أدري ما هو قال أي شجر أرضنا تشبه قال ليست تشبه شيئا من شجر أرضك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتيت الشام قال لا قال تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد وينفرش أعلاها قال ما عظم أصلها قلا لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك ما أحطت بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرما قال فيها عنب قال نعم قال فما عظم العنقود قال مسيرة شهر للغراب الأبقع ولا يفتر قال فما عظم الحبة قال هل ذبح أبوك تيسا من غنمه قط عظيما قال نعم قال فسلخ إهابه فأعطاه أمك قال اتخذي لنا منه دلوا قال نعم قال الأعرابي فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي قال نعم وعامة عشيرتك. هكذا أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده.

(71) عن أسماء بنت أبي بكر قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر سدرة المنتهى فقال يسير في ظل الفنن الراكب منها مئة سنة أو قال يستظل في الفنن منها مئة راكب فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال. رواه الترمذي في ذكر ثمار الجنة عن أبي كريب عن يونس بن بكير وقال شك يحيى وقال حديث غريب.

(72) عن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال يا رسول الله أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكا منها يعني الطلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خصوة التيس الملبود فيها سبعون لونا من الطعام لا يشبه لون الآخر. التيس الملبود الذي قد اجتمع شعره بعضه على بعض.

(73) عن سليم بن عامر قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم قال أقبل أعرابي يوما فقال يا رسول الله ذكر الله في الجنة شجرة مؤذية وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما هي قال السدر فإن له شوكا مؤذيا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس الله يقول: (في سدر مخضود) وخضد الله شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة فإنها لتنبت ثمرا تفتق الثمرة منها عن اثنين وسبعين لونا طعام وما فيها لون يشبه الآخر.

(74) عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل إذا نزع ثمرة من الجنة عادت مكانها أخرى. لا أعلم أنه روي إلا من هذا الطريق وعبّاد تكلم فيه بعض العلماء.

(75) عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهبط الله آدم عليه السلام من الجنة علمه صنعة كل شيء وزوده من ثمار الجنة فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أنها تغير وتلك لا تغير.

(76) عن أبي إسحاق عن  البراء في قوله: (وذللت قطوفها تذليلا) قال أدنيت ليتناولوها وهم نيام. حدثنا إسرائيل حدثنا أبو إسحاق عن البراء في قوله: (وذللت قطوفها تذليلا) قال وذللت لهم يقطعون منها كيف شاؤوا.

ذكر طعام أهل الجنة وذكر أكلهم وشرابهم نسأل الله من فضله

(77) عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يمتخطون ولا يتغوطون ولا يبولون طعامهم ذلك جشاء كريح المسك ويلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس. أخرجه مسلم في صحيحه عن سعيد بن يحيى الأموي بنحوه ورواه أيضا من رواية طلحة بن نافع عن جابر وفيه قالوا فما بال الطعام قال جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد.

(78) عن زيد بن أرقم جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال نعم والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطى قوة مئة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة قال فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى قال يكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك فيضمر بطنه. رواه الإمام أحمد بنحوه في مسنده عن أبي معاوية محمد بن حازم وأخرجه النسائي بنحوه عن علي بن حجر عن علي بن مسهر.

(79) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا.

(80) عن ثابت قال قال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبه الرؤيا فربما رأى الرجل الرؤيا فسأل عنه إذا لم يكن يعرفه فإذا أثني عليه معروف كان أعجب لرؤياه إليه فأتته امرأة فقالت يا رسول الله رأيت كأني أتيت فأخرجت من المدينة فأدخلت الجنة فسمعت وجبة ارتجت لها الجنة فنظرت فإذا فلان بن فلان وفلان بن فلان فسمت اثني عشر رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث سرية قبل ذلك فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم فقيل اذهبوا بهم إلى نهر البيذخ أو البيذخ قال فغمسوا فيه فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر فأتوا بصحفة من ذهب فيها بسر فأكلوا من بسره ما شاءوا فما يقلبونها من وجه إلا أكلوا من الفاكهة ما أرادوا وأكلت معهم فجاء البشير من تلك السرية فقال ما كان من أمرنا كذا وكذا فأصيب فلان وفلان حتى عد اثني عشر رجلا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة فقال قصي رؤياك فقصتها وجعلت تقول جيء فلان وفلان كما قال. هذا عندي على شرط مسلم وقد أخرج حديثا بهذا الإسناد. رواه الإمام أحمد في المسند عن بهز بن أسد وعفان عن سليمان بن المغيرة بنحوه.

(81) عن مسروق عن عبد الله في قوله جل وعلا : (يسقون من رحيق مختوم) قال الرحيق هو الخمر والمختوم يجدون عاقبتها ريح المسك.

(82) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: (يسقون من رحيق) إلى قوله: (ومزاجه من تسنيم) قال التسنيم أشرف شراب أهل الجنة يشربها المقربون صرفا ويمزج لأصحاب اليمين.

ذكر أول طعام يأكله أهل الجنة

(83) عن أنس أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فأتاه فسأله عن أشياء قال إني سائلك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي قال ما أول أشراط الساعة وما أول طعام يأكله أهل الجنة وما بال الولد ينزع إلى أبيه والولد ينزع إلى أمه قال أخبرني بهن جبرائيل عليه السلام آنفا قال ابن سلام فذاك عدو اليهود من الملائكة قال أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب وأول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد. رواه البخاري بنحوه في خلق آدم عن محمد بن سلام عن مروان الفزاري عن حميد عن أنس ومن غير طريق إلى حميد.

(84) عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنت قائما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود فذكر حديثا وفيه فقال اليهودي فما تحيتهم. كذا فيه، ولعله: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة قال زائدة كبد الحوت قال فما غذاؤهم على أثرها قال ينحر لهم ثور الجنة الذي يأكل من أطرافها قال فما شرابهم عليه قال من عين تسمى سلسبيلا قال صدقت. رواه مسلم عن الحلواني عن أبي توبة.

ذكر أنهار الجنة نسأل الله بفضله وكرمه

(85) عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك قال فضرب الملك بيده فإذا طينه مسك أذفر. رواه البخاري عن هدبة بن خالد بنحوه.

(86) عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكوثر نهر في الجنة وعدنيه ربي عز وجل. رواه مسلم عن أبي كريب عن ابن فضيل.

(87) عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فإذا أنا بنهر يجري حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت يدي إلى ما يجري فيه من الماء فإذا أنا بمسك أذفر فقلت لمن هذا يا جبريل قلا هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل.

(88) عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكوثر نهر في الجنة حافتاه الذهب مجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأشد بياضا من الثلج. أخرجه الترمذي في التفسير عن هناد عن محمد بن فضيل بنحوه وقال حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجه عن أبي سعيد عبد الله بن سعيد الأشج بنحوه.

(89) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد.

(90) عن مجاهد: (إنا أعطيناك الكوثر) قال الخير الكثير. قال وقال أنس بن مالك نهر في الجنة. وقالت عائشة هو نهر في الجنة ليس أحد يدخل إصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر.

(91) عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة بحر الماء وبحر الخمر وبحر اللبن وبحر العسل ثم تشقق بعد منه الأنهار. أخرجه الترمذي في صفة الجنة عن محمد بن بشار عن يزيد بن هارون عن الجريري بمعناه وقال حديث حسن صحيح. والجريري اسمه سعيد بن إياس. ورواه الإمام أحمد في مسنده عن يزيد بن هارون عن الجريري بنحوه.

(92) عن أبي بكر بن عبا لله بن قيس عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأنهار تشخب من جنة عدن في جوبة ثم تصدع بعد أنهارا.

(93) عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلكم تظنون أن أنهار الجنة خدود في الأرض لا والله إنها لسائحة على وجه الأرض حافتاه قباب اللؤلؤ وطينها المسك الأذفر قيل يا رسول الله وما الأذفر قال الذي لا خلط له. رواه أبو بكر بن أبي الدنيا عن يعقوب بن عبيد عن يزيد بن هارون بإسناده موقوفا لم يذكر النبي

صلى الله عليه وسلم.

ذكر ما في الدنيا من أنهار الجنة

(94) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة. كذا أخرجه مسلم في صحيحه ورواه الإمام أحمد عن عبد الله بن نمير.

(95) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنزل الله من الجنة خمسة أنهار سيحون وهو نهر الهند وجيحون وهو نهر بلخ ودجلة والفرات وهما نهرا العرق والنيل وهو نهر مصر أنزلها الله من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة  من درجاتها على جناحي جبريل عليه السلام فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض وجعل فيها منافع للناس في أصناف معايشهم فذلك قوله: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض) فإذا كان عند خرج يأجوج ومأجوج أرسل جبريل فرفع من الأرض القرآن والعلم كله والحجر الأسود وركن البيت ومقام إبراهيم وتابوت موسى عليه السلام بما فيه وهذه الأنهار الخمسة فرفع كل ذلك إلى السماء فذلك قوله: (وإنا على ذهاب به لقادرون) فإذا رفعت هذه الأشياء من الأرض فقد أهلها خير الدنيا والآخرة. لا أعلم أني سمعته إلا من طريق مسلمة بن علي وهو من جملة الضعفاء والله أعلم.

ذكر سوق الجنة نسأل الله من فضله وكرمه

(96) عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا فيقول لهم أهلوهم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا فيقولون وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا. كذا أخرجه مسلم في صحيحه. ورواه الإمام أحمد عن عفان عن حماد وزاد فيه كثبان المسك فإذا خرجوا إليها هبت الريح.

(97) عن سعيد بن المسيب أنه لقي أبا هريرة فقال أبو هريرة أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة فقال سعيد أَوَ فيها سوق قال نعم أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون الله في روضة من رياض الجنة فيوضع لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ياقوت ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ويجلس أدناهم وما فيهم دني على كثبان المسك والكافور ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلسا فقال أبو هريرة فقلت يا رسول الله هل نرى ربنا عز وجل قال نعم هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا لا قال فكذلك لا تمارون في رؤية ربكم ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره محاضرة حتى يقول يا فلان ابن فلان أتذكر يوم كذا وكذا فيذكره بعض غدراته في الدنيا فيقول بلى أفلم تغفر لي فيقول بلى فبمغفرتي بلغت منزلتك هذه قال فبينا هم على ذلك غشتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدا مثل ريحه شيئا قط قال ثم يقول ربنا قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم قال فيأتون سوقا قد حفت بها الملائكة فيه ما لم تنظر العيون إلى مثله ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب قال فيحمل لنا ما اشتهينا ليس يباع فيه ولا يشترى في ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا قال فيقبل ذو البزة المرتفعة فيلقى من هو دونه وما فيهم دني فيروعه ما يرى عليه من اللباس والهيئة فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها قال ثم ننصرف إلى منازلنا فيلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا وأهلا بحبنا لقد جئت وإنك من الجمال والطيب أفضل ما فارقتنا عليه فيقول إنا جالسنا اليوم ربنا عز وجل وبحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا. أخرجه الترمذي في صفة الجنة عن محمد بن إسماعيل عن هشام بن عمار بنحوه وقال حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. ورواه أبو عبد الله بن ماجه عن هشام بن عمار بنحوه.

(98) عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة لسوقا ما فيها شراء ولا بيع إلا صور من الرجال والنساء فإذا اشتهى الرجل الصورة دخل فيها . أخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع وقال حديث غريب.

ذكر لباس أهل الجنة نسأل الله من فضله وكرمه

(99) عن أبي هريرة أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. أخرجه مسلم إلى قوله شبابه. في صفة الجنة عن ابن حرب عن عبد الرحمن بن مهدي عن حماد ورواه أحمد في المسند بكماله عن عبد الرحمن بن مهدي وغيره ووقع لنا عاليا من رواية هدبة.

(100) عن عبد الله بن عمرو قال جاء أعرابي عُلْويّ جريء فقال يا رسول الله أخبرنا عن الهجرة إليك أينما كنت أم لقوم خاصة أم إلى أرض معلومة أم إذا مت انقطعت فسأل ثلاث مرار ثم جلس فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيرا ثم قال أين السائل قال ها هو ذا يا رسول الله قال الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ثم أنت مهاجر وإن مت بالحضر فقام آخر فقال يا رسول الله أخبرني عن ثياب أهل الجنة أتخلق خلقا أو أتنسج نسجا قال فضحك بعض القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تضحكون من جاهل يسأل عالما فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة ثم قال أين السائل عن ثياب الجنة قال ها هو ذا يا رسول الله قال لا بل تشقق عنها ثمر الجنة. ثلاث مرار. أخرجه أحمد في المسند عن عبد الرحمن بن مهدي وفيه جريء بدل جرمي.

(101) عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أول زمرة يدخلون الجنة كأن وجوههم ضوء القمر ليلة البدر والزمرة الثانية على لون أحسن كوكب دري في السماء لكل واحد منهم زوجتان من حور العين على كل زوجة سبعون حلة يرى مخ سوقهما من وراء لحومهما وحللهما كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء. هذا عندي على شرط الصحيح والله أعلم.

(102) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قيد سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ولنصيف امرأة من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها قلت يا أبا هريرة وما النصيف قال الخمار. كذا أخرجه الإمام أحمد في مسنده.

(103) عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الرجل ليتكئ في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأة فتضرب عل منكبه فينظر وجهه في خدها أصفى من المرآة وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب فتسلم عليه فيرد السلام ويسألها من أنت فتقول أنا المزيد وإنه ليكون عليها سبعون ثوبا أدناها مثل النعمان من طوبى فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك وإن عليهم التيجان وإن أدنى لؤلؤة عليها لتضيء ما بين المشرق والمغرب. روى الترمذي منه ذكر التيجان وأن أدنى لؤلؤة. عن سويد بن نصر عن رشدين بن سعد عن عمرو.

(104) عن أبي سلام الأسود قال سمعت أبا أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما منكم من أحد يدخل الجنة إلا انطلق به إلى طوبى فتفتح له أكمامها فيأخذ من أي ذلك شاء أبيض وإن شاء أحمر وإن شاء أخضر وإن شاء أصفر وإن شاء أسود مثل شقائق النعمان وأرق وأحسن.

(105) وبه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سويد بن سعيد حدثنا عبد ربه بن بارق الحنفي عن خاله الزميل أنه سمع أباه قال قلت لابن عباس ما حلل الجنة قال فيها شجر فيها ثمر كأنه الرمان فإذا أراد ولي الله كسوة انحدرت إليه من غصنها فانفلقت عن سبعين حلة ألوانا بعد ألوان ثم تستطبق فترجع كما كانت.

ذكر فرش أهل الجنة نسأل الله من فضله بفضله

(106) عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وفرش مرفوعة) قال والذي نفسي بيده وإن ارتفاعها لكما بين السماء والأرض وإن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمئة عام. رواه الترمذي بنحوه عن أبي كريب عن رشدين عن عمرو وهو ابن الحارث وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد وروايتنا من غير رواية رشدين وقال الترمذي وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث إن معناه الفرش في الدرجات كما بين السماء والأرض.

ذكر صفة أهل الجنة وصفة كلامهم نسأل الله الجنة بفضل رحمته

(107) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق الله عز وجل آدم على صورته طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال له اذهب فسلم في أولئك النفر وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال فذهب فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله قال فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا فلم يزل ينقص الخلق بعد الآن. صحيح من حديث همام بن منبه بن كامل الصنعاني من أبناء الفرس يكنى بأبي عقبة أخي وهب بن منبه أخرجه البخاري في الاستئذان عن يحيى بن جعفر ورواه مسلم في صفة الجنة عن محمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق بنحوه واتفقا على ذكر الصورة.

(108) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعادا مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين وهم على خلق آدم ستون ذراعا في عرض سبعة أذرع. رواه الإمام أحمد في مسنده عن يزيد بن هارون وعفان بن مسلم عن حماد بن سلمة قيل تفرد به حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان والله أعلم.

(109) عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين بني ثلاث وثلاثين. رواه الترمذي في صفة الجنة عن أبي هريرة محمد بن فراس البصري عن أبي داود عن عمران وقال حديث حسن غريب.

(110) عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث أهل الجنة على صورة آدم في ميلاد ثلاث وثلاثين سنة جردا مردا مكحلين ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة فيكسون منها لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم. هكذا ورد في غالب الروايات سوى ما روي عن أبي سعيد وهو حاضر.

(111) عن أبي سعدي الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاثين سنة في الجنة لا يزيدون عليها وكذلك أهل النار. رواه الترمذي في صفة الجنة عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد عن ابن الحارث.

(112) عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ستون ذراعا بذراع الملك على حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين سنة وعلى لسان محمد جرد مكحلون.

(113) عن عطاء بن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي. العلاء بن عمرو الحنفي ويحيى بن يزيد تكلم فيهما.

ذكر نساء أهل الجنة

(114) عن أيوب عن محمد قال إما تفاخروا وإما تذاكروا الرجال أكثر في الجنة أم النساء فقال أبو هريرة أو لم يقل أبا القاسم إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والتي تليها على أضوء كوكب دري في السماء لكل منهم زوجتان اثنتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم وما في الجنة عزب. هكذا رواه مسلم في صحيحه.

(115) وقد تقدم من رواية همام بن منبه عن أبي هريرة نحو هذا وهو في الصحيحين.

(116) وتقدم أيضا من رواية أبي زرعة عن أبي هريرة وأزواجهم الحور العين.

(117) عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ولقاب قوس أحدكم أو موضع قده يعني سوطه من الجنة خير من الدنيا وما فيها ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا ولطاب ما بينهما ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها. رواه البخاري في الجهاد عن عبد الله بن محمد عن معاوية بن عمرو عن أبي إسحاق عن حميد بنحوه.

(118) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم للرجل من أهل الجنة زوجتان من حور العين على كل واحدة سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء الثياب. كذا أخرجه الإمام أحمد.

(119) عن أم سلمة قالت قلت يا رسول الله أخبرن عن قول الله عز وجل: (وحور عين) قال حور بيض عين ضخام العيون شَفْرُ الحوراء بمنزلة جناح النسر قلت أخبرني عن قوله عز وجل: (كأنهن لؤلؤ مكنون) قال صفاؤهن صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم تمسه الأيدي قلت يا رسول الله أخبرني عن قوله :(فيهن خيرات حسان) قال خيرات الأخلاق حسان الوجوه قلت يا رسول الله أخبرني عن قوله: (كأنهن بيض مكنون) قال رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشرة وهو الغرقيء قلت يا رسول الله أخبرني عن قوله: (عربا أترابا) قال هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز رمصا شمطا خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى عربا متعشقات محببات أترابا على ميلاد واحد قلت يا رسول الله نساء الدنيا أفضل أم الحور العين قال بل نساء الدنيا أفضل من حور العين كفضل الظهارة على البطانة قلت يا رسول الله وبما ذلك قال بصلواتهن وصيامهن وعبادتهن الله ألبس الله وجوههن النور وأجسادهن الحرير بيض الألوان حضر الثياب صفر الحلي مجامرهن الدر وأمشاطهن الذهب يقلن نحن الخالدات فلا نموت ونحن الناعمات فلا نبأس أبدا ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا طوبى لمن كنا له وكان لنا قلت يا رسول الله المرأة منا تتزوج زوجين والثلاثة والأربعة ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها من يكون زوجها قال يا أم سلمة أنها تخير فتختار أحسنهم خلقا فتقول أي رب إن هذا كان أحسنهم معي خلقا في دار الدنيا فزوجنيه يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة. لا أعلمه روي إلا من طريق سليمان بن أبي كريمة وفيه كلام.

(120) عن أبي هريرة قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طائفة من أصحابه فذكر حديثا طويلا وفيه فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في أهل الجنة يدخلون الجنة فيقول الله قد شفعتك وأذنت لهم في دخول الجنة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول والذي بعثني بالحق ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم فيدخل رجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله وثنتين من ولد آدم لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتها الله في الدنيا يدخل على الأولى منهما في غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ عليه سبعون زوجا من سندس وإستبرق وإنه ليضع يده بين كتفيها ثم ينظر إلى يده نم صدرها من وراء ثيابها وجلدها ولحمها وإنه لينظر إلى مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت كبده لها مرآة فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ولا يأتيها من مرة إلا وجدها عذراء ما يفتر ذكره ولا تشتكي قبلها فبينا هو كذلك إذ نودي إنا قد عرفنا أنك لا تَمل لا تُمل إلا أنه لا مني ولا منية إلا أن يكون لك أزواج غيرها فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة كلما جاء واحدة قالت والله ما في الجنة شيء أحسن منك ما في الجنة شيء أحب إلي منك. هذا من حديث الصور لا أعرفه إلا من حديث إسماعيل بن رافع وقد ضعفه غير واحد من الأئمة والرجل الذي روى عنه القرظي لا ندري من هو والله أعلم.

(121) عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وستون -كذا رأيته والصواب وسبعون- زوجة وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية وصنعاء. رواه الترمذي عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث وعنده واثنتان وسبعون زوجة.

(122) عن مجاهد عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خلق الحور العين من الزعفران. قال سليمان بن أحمد لا يروى إلا بهذا الإسناد تفرد به علي بن الحسن بن هارون.

ذكر غناء حور العين

(123) عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات ما سمعها أحد قط إن مما يغنين به نحن الخيرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرن بقرة أعيان وإن مما يغنين به نحن الخالدات فلا نمتنه نحن الآمنات فلا نخفنه نحن المقيمات فلا نظعنه. قال سليمان بن أحمد لم يروه عن زيد بن أسلم إلا محمد تفرد به ابن أبي مريم.

(124) عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجنة مجتمعا للحور العين يرفعن أصواتا لم يسمع الخلائق بمثلها قال يقلن نحن الخالدات فلا نبيد ونحن الناعمات فلا نبأس ونحن الراضيات فلا نسخط طوبى لمن كان لنا وكنا له. أخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع وقال حديث غريب.

(125) عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الحور يغنين في الجنة نحن الجوار الحسان خلقنا لأزواج كرام.

ذكر نكاح أهل الجنة

(126) عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من النساء قلت يا رسول الله ويطيق ذلك قال يعطى قوة مئة. رواه الترمذي في صفة الجنة عن محمد بن بشار ومحمود بن غيلان كلاهما عن أبي داود الطيالسي وقال حديث صحيح غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلا من حديث عمران القطان وعنده قيل يا رسول الله أو يطيق ذلك. بدل قلت.

(127) عن أبي هريرة قال قيل يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة فقال إن الرجل ليصل في اليوم إلى مئة عذراء. قال الطبراني لم يروه عن هشام إلا زائدة تفرد به الجعفي لفظ عبد الله بن عمر بن أبان وقال أبو همام قال قلنا يا رسول الله نفض إلى نسائنا في الجنة فقال إي والذي نفسي بيده إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة إلى مئة عذراء. قلت ورجال هذا الحديث عندي على شرط الصحيح والله أعلم.

(128) عن عاصم بن لقيط أن لقيط بن عامر خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله فعلى ما نطلع من الجنة قال على أنهار من عسل مصفى وأنهما من كأس ما بها صداع ولا ندامة وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وفاكهة لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله وأزواج مطهرة قلت يا رسول الله أَوَ لنا فيها أزواج مصلحات قال الصالحات للصاحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم غير أن لا توالد.

(129) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أنطأ في الجنة قال نعم والذي نفسي بيده دحما دحما فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا. ابن حجيرة اسمه عبد الرحمن ودراج اسمه عبد الرحمن بن سمعان البصري وثقه يحيى بن معين وأخرج عنه أبو حاتم بن حبان في صحيحه وكان بعض الأئمة ينكر بعض حديثه والله أعلم.

(130) عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عادوا أبكارا. قال الطبراني لم يروه عن عاصم إلا شريك تفرد به معلى أخبرنا محمد بن أحمد الصيدلاني أن فاطمة بنت عبد الله أخبرتهم.

(131) عن سليم بن يحيى أنه سمع أبا أمامة يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسئل هل يتناكح أهل الجنة قال بذكر لا يمل وبشهوة لا تنقطع دحما دحما.

(132) عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أيجامع أهل الجنة قال دحما دحما ولكن لا مني ولا منية. هاشم وخالد بن يزيد تكلم فيهما.

ذكر أن أهل الجنة لا يموتون فيها نسأل الله الجنة بفضله وكرمه

(133) عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال لأهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا وإن لكم أن تعيشوا أبدا ولا تموتوا أبدا وإن لكم أن تتنعموا فلا تبأسوا أبدا وإن لكم أن تشبوا ولا تهرموا أبدا. قال الطبراني لم يروه عن الثوري إلا عبد الرزاق. رواه مسلم في صحيحه عن إسحاق بن راهويه وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق بنحوه.

(134) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتقى الله دخل الجنة ينعم فيها ولا يبأس ويحيا فيها ولا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه. كذا في سماعنا وأظنه أحمد بن حفص عن أبيه والله أعلم والحجاج بن الحجاج.

ذكر أن أهل الجنة لا ينامون

(135) عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون.

(136) عن جابر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل أينام أهل الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون.

ذكر معرفة أهل الجنة منازلهم فيها نسأل الله من فضله

(137) عن أبي سعيد الخدري أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار يتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة والذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة أدل منه بمسكنه كان في الدنيا. صحيح أخرجه البخاري في كتاب المظالم عن إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام ورواه في الرقاق عن الصلت بن محمد عن يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة.

ذكر الأولاد في الجنة

(138) عن أبي سعيد أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة واحدة كما يشتهي. أخرجه الترمذي وابن ماجه جميعا عن محمد بن بشار عن معاذ وقال الترمذي حديث حسن غريب. هذا الحديث عندي على شرط مسلم والله أعلم.

ذكر طير الجنة نسأل الله من فضله

(139) عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة فقال أبو بكر يا رسول الله إن هذه لطير ناعمة قال أَكَلَتُهَا أنعم منها. ثلاثا. وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها يا أبا بكر. كذا رواه الإمام أحمد في المسند عن غير طريق.

(140) عن سليمان بن موسى حدثني كريب أنه سمع أسامة بن زيد رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يبيض وجوهنا ألم يثقل موازيننا ألم يزحزحنا عن النار ويدخلنا الجنة فيكشف لهم عن الحجاب فينظرون إلى الله عز وجل فما شيء أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة. صحيح أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون وعن عبيد الله بن عمر القواريري عن عبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن حماد بن سلمة بنحوه. ولا أعلمه مرفوعا إلا من حديث حماد بن سلمة.

(141) عن أنس بن مالك قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) قال للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى وهي الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل. وسَلْمٌ ونوح تكلم فيهما.

(142) عن أبي بن كعب قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزيادتين في كتاب الله: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) قال النظر إلى وجه الرحمن وسألته عن قوله: (وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون) قال الزيادة عشرون ألفا.

(143) عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن جرير قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أربع عشرة من الشهر فقال أترون هذا القمر فإنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فمن استطاع منكم فلا يغلبن على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها. صحيح متفق على صحته وثبوته رواه البخاري في صحيحه من طرق أحدها هذه عن الحميدي واسمه عبد الله بن الزبير بنحوه عن مروان وحده. ورواه عن يوسف بن موسى عن عاصم بن يوسف اليربوعي عن أبي شهاب عبد ربه بن نافع عن إسماعيل وفيه إنكم سترون ربكم عيانا. ورواه مسلم بنحوه عن زهير بن حرب عن مروان.

(144) عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما أهل الجنة في ملكهم ونعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رءوسهم فإذ الرب تبارك وتعالى قد أشرف عليهم من فوقهم فيقول السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله تبارك وتعالى: (سلام قولا من رب رحيم) فينظرون إليه وينظر إليهم فلا يلتفتون إلى شيء من الملك والنعيم حتى يحتجب عنهم قال فيبقى نوره وبركته عليهم وفي ديارهم. رواه ابن ماجه في سننه بنحوه من حديث ابن المنكدر عن جابر.

ذكر يوم المزيد في الجنة نسأل الله من فضله بفضله وكرمه

(145) عن عثمان بن مسلم عن أنس بن مالك قال أبطأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلما فرغ قلنا لقد احتبست قال إن جبريل أتاني كهيئة المرآة بيضاء فيها نكتة سوداء فقال إن هذه الجمعة فيها خير لك ولأمتك وقد أرادها اليهود والنصارى فأخطأوها قلت يا جبريل ما هذه النكتة سوداء قال إن هذه الساعة التي في يوم الجمعة لا يوافقها عبد يسأل الله خيرا من قسمة إلا أعطاه إياه وذخر له مثله يوم القيامة أو صرف من السوء مثله وإنه خير الأيام عند الله وأن أهل الجنة يسمونه يوم المزيد قلت يا جبريل وما يوم المزيد قال إن في الجنة واديا أفيح تربته مسك أبيض ينزل الله عز وجل إليه كل يوم جمعة فيوضع كرسيه ثم يجاء بمنابر من نور فتوضع خلفه فتحضيه الملائكة ثم يجاء بكراس من ذهب فتوضع ثم يجيء النبيون والصديقون والشهداء والمؤمنون أهل الغرف فيجلسون ثم تبسم الله إليهم فيقول سلوا فيقولون نسألك رضوانك فيقول قد رضيت عنكم فسألوا فيقولون نسألك رضوانك فيقول قد رضيت عنكم فيسألون مناهم فيعطيهم ما سألوا وأضعافها ويعطيهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم يقول ألم أنجزكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي هذا محل كرامتي ثم ينصرفون إلى غرفهم ويغدون كل يوم جمعة قلت يا جبريل وما غرفهم قال من لؤلؤة بيضاء أو يا قوتة حمراء أو زبرجدة خضراء مقدرة منها أبوابها فيها أزواجها مطردة فيها أنهارها. رواه أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده عن شيبان ابن فروخ عن الصعق بن حزن عن علي بن الحكم البناني عن أنس بنحوه كان في نسخة سماعنا بعض الشيء فكتبته على الصواب والله أعلم.

(146) عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل عليه السلام فذكر يوم المزيد فقال فيوحي الله عز وجل إلى حملة العرش بأن يفتحوا الحجب فيما بينه وبينهم فيكون أول ما يسمعون منه تعالى أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني وصدقوا رسلي واتبعوا أمري سلوني فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة أن قد رضينا فارض عنا ويرجع في قوله يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي هذا يوم المزيد فسألوني فيجتمعون على كلمة واحدة أرنا وجهك رب ننظر إليه قال فيكشف الله الحجب فيتجلى لهم تعالى فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله قضى أن لا يموتوا لاحترقوا ثم يقال لهم ارجعوا إلى منازلكم فيرجعون إلى منازلهم ولهم في كل سبعة أيام يوم وذلك يوم الجمعة.

ذكر قوله تعالى: (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله)

(147) عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكوثر نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طيور أعناقها. يعني كأعناق الجزر. فقال عمر إنها لناعمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آكلها أنعم منها. رواه الترمذي في صفة الحنة عن عبد بن حميد عن القعنبي عن محمد بن عبد الله بن مسلم بن شهاب عن أبيه عن أنس وقال حسن.

(148) عن نافع عن عمر قال ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم طوبى فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر هل بلغك ما طوبى قال الله ورسوله أعلم قال طوبى شجرة في الجنة لا يعلم طولها إلا الله عز وجل يسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفا. وفيها كحديث وإن فيها طيورا كأمثال البخت فقال أبو بكر يا رسول الله إنها لناعمة قال أنعم منه من يأكله وأنت منهم إن شاء الله عز وجل.

ذكر ما يركب أهل الجنة من الدواب نسأل الله من فضله

(149) عن أبي أيوب قال أتى أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أحب الخيل وهل في الجنة خيل فقال إن دخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان فحملت عليه فطار بك في الجنة حيث شئت. رواه الترمذي عن محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي عن أبي معاوية وهو محمد بن خازم وقال حديث ليس إسناده بالقوي وأبو سورة هو ابن أخي أبي أيوب يضعف في الحديث.

(150) عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل في الجنة خيل قال إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب على فرس من ياقوتة حمراء تطوف بك في الجنة إلا ركبت فقال يعني آخر يا رسول الله فهل في الجنة إبل فلم يقل له مثل الذي قال لصاحبه قال إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك. أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن عاصم بن علي بنحوه.

ذكر ريح الجنة نسأل الله من فضله بفضله

(151) عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة مئة عام. رواه البخاري بنحوه في الجزية والديات عن قيس يبن حفص عن عبد الواحد بن زياد عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو ولم يذكر بينهما جنادة والله أعلم بالصواب وقال فيه مسيرة أربعين عاما.

(152) عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول صلى الله عليه وسلم من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وإن ريح الجنة يوجد من مسيرة مئة عام. لفظ معلل وقال أحمد بن حياب لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد. والباقي مثله قال الطبراني لم يروه عن عوف إلا عيسى بن يونس ورواه الترمذي بنحوه من رواية ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة وفيه مسيرة سبعين خريفا. وقال حسن صحيح. وإسناده عندي على شرط الصحيح والله أعلم.

(153) عن قتادة عن الحسن أو غيره عن أبي بكرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ريح الجنة يوجد من مسيرة مئة عام. كذا رواه معمر عن قتادة ورواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة فقال في روايته خمسمئة عام. وكذلك رواه حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن ورواه شبيب بن شيبة عن الحسن كرواية يونس.

ذكر فرح الحور العين بأزواجهن

(154) عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي قال ذكر النار فعظم أمرها ذكرا لا أحفظه قال: (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا) حتى انتهوا إلى باب من أبوابها وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان فعمدوا إلى إحداهما كأنما أمروا به فشربوا منها فأذهب ما في بطونهم من قذى أو أذى أو بأس ثم عمدوا إلى الأخرى فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم ولم تغبر أشعارهم بعدها أبدا ولم تشعث رءوسهم كأنما ادهنوا بالدهان ثم انتهوا إلى خزنة الجنة فقالوا: (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) ثم تلقى الولدان يطيفون بهم كما يطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم يقدم عليهم من غيبته يقولون له أبشر بما أعد الله يعني لك من الكرامة ثم ينطلق غلام من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين فيقول جاء فلان باسمه الذي كان يدعى في الدنيا قال أنت رأيته قال أنا رأيته وهو بإثري فيستخف إحداهن الفرح حتى تقوم على أسكفة بابها فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنيانه فإذا جندل اللؤلؤ فوقه صرح أخضر وأحمر وأصفر من كل لون ثم رفع رأسه فنظر إلى سقفه فإذا مثل البرق ولولا أن الله عز وجل قدره على النظر لذهب بصره ثم طأطأ رأسه فإذا أزواجه وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة ثم نظروا إلى تلك النعمة واتكأوا فقالوا: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي) الآية ثم ينادي مناد تحيون فلا تموتون أبدا وتقيمون فلا تظعنون أبدا وتصحون فلا تمرضون أبدا. قال أبو إسحاق كذا قال.

ذكر الأمر بطلب الجنة

(155) عن كليب بن حزن رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اطلبوا الجنة جهدكم اهربوا من النار بجهدكم فإن الجنة لا ينام طالبها وأن النار لا ينام هاربها وأن الآخرة اليوم محففة بالمكاره وأن الدنيا محففة باللذات والشهوات فلا تلهينكم عن الآخرة. هذا لفظ يعلى بن الأشدق تكلم فيه وكذلك إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي المحرمي وفي رواية سلامة يقول يا قوم اطلبوا الجنة جهدكم واهربوا من النار جهدكم. وفيه ألا إن الآخرة محففة. وآخره الشهوات.

ذكر أن الله جل وعلا أمر بالمسارعة إلى الجنة قال الله عز من قائل: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض) وقال عز وجل : (والله يدعو إلى دار السلام)

(156) عن سعيد بن ميناء قال حدثنا أو سمعت جابرا يقول جاءت ملائكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم أنائم فقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان فقالوا مثله كمثل رجل بنى دارا فجعل فيها مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة فأولوها فقال بعضهم إنه نائم وقال بعضهم إن العين نائمة والقلب يقظان قالوا الدر الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم من أطاع محمدا فقد أطاع الله ومن عصى محمدا فقد عصى الله ومحمد فرق بين الناس. صحيح رواه البخاري في كتاب الاعتصام عن محمد بن عبادة الواسطي عن يزيد بن هارون بنحوه.

(157) عن أنس بن مالك قال قال النبي صلى الله عليه وسلم  إن سيدا بنى دارا واتخذ مأدبة وبعث داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضي عنه السيد ألا وإن السيد الله والدار الإسلام والمأدبة الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم.

ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم (ألا مشمر للجنة) نسأل الله من فضله

(158) عن شقيق أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى : (ليوفيهم أجورهم) قال أجورهم الجنة يدخلونها: (ويزيدهم من فضله) الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليهم المعروف في الدنيا. قيل غريب من حديث الثوري تفرد به ابن حمير عنه والله أعلم ورواه بقية بن إسماعيل بن عبد الله الكندي عن الأعمش مثله.

ذكر أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يدخلون الجنة قبل الأمم

(159) عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ونحن أول من يدخل الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فاختلفوا فهدانا الله كما اختلقوا فيه من الحق فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له قال يوم الجمعة لنا وغدا لليهود وبعد غد للنصارى. كذا أخرجه مسلم عن أبي خيثمة وسقط من نسخة سماعنا: اختلفوا.

(160) عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نحن الآخرون الأولون يوم القيامة نحن أول الناس دخولا الجنة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق هذا اليوم الذي اختلفوا فيه الناس لنا فيه تبع غدا لليهود، والنصارى بعد غد. أخرجه البخاري ومسلم من طريق عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة ولم أجد في هذه الطريق عندهما ذكر دخول الجنة ووقع لنا عاليا من رواية النسائي ولله الحمد.

(161) عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها وحرمت على الأمم حتى يدخلها أمتي. قال الدارقطني غريب عن الزهري ولا أعلم روي عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الزهري غير هذا الحديث ولا رواه إلا عمرو بن أبي سلمة عن زهير وقال غير عمرو عن زهير عن عبد الله ولم ينسبه.

ذكر أول من يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم

(162) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي فقال أبو بكر يا رسول الله وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي. رواه أبو داود في سننه عن هناد بن السري عن المحاربي.

ذكر أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء

(163) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنياءهم بنصف يوم وهو خمسمئة عام. أخرجه الترمذي في الزهد عن محمود بن غيلان عن قبيصة عن سفيان وعن أبي كريب عن المحاربي. وأخرجه أبو عبد الله بن ماجه في الزهد أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن محمد بن بشر ثلاثتهم عن محمد بن عمرو وقال الترمذي حديث حسن صحيح. قلت ورجال إسناده قد روى عنهم مسلم في صحيحه وقد روي عن أبي هريرة من غير طريق.

(164) عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يدخل فقراء أمتي الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا. أخرجه الترمذي في الزهد عن عباس الدوري عن المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب وقال حديث حسن وقد تكلم في عمرو بن جابر.

(165) عن عبد الله بن عمرو يقل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا. حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث أبي هاني حميد بن هاني عن أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح عن ابن وهب عنه وفيه يوم القيامة إلى الجنة.

(166) عن معروف بن سويد الجذامي أن أبا عشانة المعافري حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال هل تدرون أول من يدخل الجنة قالوا الله ورسوله أعلم قال فقراء المهاجرين الذين يتقى بهم المكاره يموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء تقول الملائكة ربنا نحن ملائكتك وسكان سماواتك لا تدخلهم الجنة قبلنا فيقول عبادي لا يشركوا شيئا يتقى بهم المكاره يموت أحدهم وحاجته في صدره لم يستطع لها قضاء فعند ذلك يدخل عليهم الملائكة من كل باب: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار). أخرجه الإمام أحمد في مستنده عن عبد الله بن يزيد المقرئ بنحوه.

(167) عن عكرمة عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم التقى مؤمنان على باب الجنة مؤمن غني ومؤمن فقير كانا في الدنيا فأدخل الفقير الجنة وحبس الغني ما شاء أن يحبس ثم أدخل الجنة فلقيه الفقير فيقول أي أخي ماذا حبسك والله لقد احتبست حتى خفت عليك فيقول أي أخي إني حبست يعني بعدك محبسا فظيعا كريها وصلت إليك حتى سال عني من العرق ما لو ورده ألف بعير كلها آكلة حمض لصدرت عنه رِوَاءً. رواه الإمام أحمد في المسند.

ذكر صفة الفقراء

(168) عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن فقراء المؤمنين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم وذلك خمسمئة فقال رجل أمنهم أنا يا رسول الله فقال إن تغديت رجوت العشاء وإذا تعشيت لا تهتم بالغداء قال فقام رجل فقال أمنهم أنا يا رسول الله قال هل تجد ثوبا سترا سوى ما عليك قال نعم قال فلست منهم فقام آخر فقال أمنهم أنا يا رسول الله قال هل سمعت ما قلت لهذين قبلك قال نعم قال هل تجد قرضا كلما شئت أن تستقرض قال نعم قال فلست منهم فقام آخر فقال أمنهم أنا يا رسول الله فقال هل سمعت ما قلت لهؤلاء قال نعم قال هل تقدر أن تكتسب قال نعم قال فست منهم قال فقام خامس فقال أنا منهم يا رسول الله قال هل سمعت ما قلت لهؤلاء قال نعم قال هل تمسي عن ربك راضيا وتصبح كذلك قال نعم قال فأنت منهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن سادة المؤمنين في الجنة من إذا تغدى لم يجد عشاء وإذا تعشى لم يبت له غداء وإن استقرض لم يجد قرضا وليس له فضل كسوة إلا ما يواري به ما لا يجد منه بدا ولا يقدر على أن يكتسب ما يعيشه يمسي عن الله راضيا أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. قيل غريب من حديث سفيان الثوري عن محمد بن زيد يقال هو العبدي تفرد به عبد الملك.

ذكر أول من يدعى إلى الجنة

(169) عن ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الحمادون الذين يحمدون الله تعالى في السراء والضراء. قيل لم يروه عن حبيب إلا قيس.

(170) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض علي أول ثلاثة من أمتي يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه وفقير متعفف ذو عيال وأول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله في ماله وفقير فخور. روى الإمام أحمد في المسند عن إسماعيل بن إبراهيم عن هشام وليس فيه من أمتي. ورواه الترمذي ولم يذكر ثلاثة من أهل النار. عن محمد بن بشار عن عثمان بن عمر عن ابن المبارك عن يحيى وقال حديث حسن ولم يقل من أمتي أيضا.

(171) عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعو سيوفهم على رقابهم على رقابهم تقطر دما فازدحموا على باب الجنة فقيل من هؤلاء قيل الشهداء كانوا أحياء مرزوقين ثم نادى مناد ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة ثم نادى.

(172) من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت حدثنا ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن ليس من حديث فلم تدعه أو قال فأغضبته فقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول نظرت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ونظرت في النار أكثر أهلها النساء. صحيح أخرجه البخاري بنحوه في صفة الجنة وفي الرقاق عن أبي الوليد عن سلم بن زرير عن أبي رجاء واسمه عمران بن ملحان.

(173) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع في النار فرأى أكثر أهلها النساء واطلع في الجنة فرأى أكثر أهلها الفقراء. أخرجه مسلم بمعناه عن شيبان بن فروخ.

(174) عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء. كذا أخرجه فذكر أحاديث منها.

(175) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحاجت الجنة والنار وقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة فما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرثهم فقال الله عز وجل للجنة إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل منكما ملؤها. فأما النار فلا تمتلأ حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله تقول قط قط فهنالك تمتلأ ويزوي بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا. صحيح أخرجه مسلم هكذا في صحيحه وقد رواه البخاري من هذا الطريق عن إسحاق بن منصور وعبد الله بن محمد عن عبد الرزاق بنحوه ولم يذكر غرثهم وعنده فلا تمتلأ حتى يضع رجله فتقول قط قط قط.

ذكر أن الله يرفع درجة العبد في الجنة باستغفار ولده له

(176) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول يا رب أنى لي هذا فيقول باستغفار ولدك لك. كذا أخرجه الإمام أحمد في مسنده.

ذكر أن الله عز وجل يرفع قوما إلى الدرجات العلى بذكره

(177) عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليذكرن الله قوم في الدنيا على الفرش الممهدة يدخلهم الدرجات العلى.

ذكر أن الله عز وجل بفضله وكرمه يرفع ذرية المؤمن معه في درجته وإن لم يبلغوا عمله

(178) عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته وإن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه. قال ثم قرأ: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء) قال ما نقصنا الآباء مما أعطينا البنين.

(179) عن ابن عباس قال شريك أظنه حكاه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده فيقال إنهم لم يبلغوا درجتك أو عملك فيقول يا رب فقد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به ثم تلا ابن عباس: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم) إلى آخر الآية.

ذكر أهل الجنة من هم

(180) عن معبد بن خالد قال سمعت حارثة بن وهب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبرك بأهل النار كل عتل جواظ متكبر. متفق على صحته رواه البخاري عن أبي نعيم الفضل بن دكين ورواه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير عن وكيع عن سفيان بن سعيد الثوري وأخرجاه جميعا عن أبي موسى محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن شعبة كلاهما عن معبد.

(181) عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبه أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق موفق ورجل رحيم القلب بكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال. كذا أخرجه مسلم.

(182) عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة النبي في الجنة والصديق في الجنة والشهيد في الجنة والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة ونساؤكم من أهل الجنة العؤود الولود التي إذا غضب أو غضبت جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها ثم تقول لا أذوق غمضا حتى ترضى. أخرجه النسائي في عشرة النساء عن هلال بن العلاء الرقي عن أبيه عن خلف بن خليفة عن أبي هاشم واسمه يحي بن دينار الواسطي الرماني.

(183) عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن أهل النار كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون. كذا أخرجه الإمام أحمد وهو على شرط الصحيح والله أعلم. الجعظري قيل الشديد الغليظ.

(184) عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجنة من ملأ أذنيه من ثناء الناس خيرا وهو يسمع وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرا وهو يسمع. أخرجه ابن ماجه في سننه عن محمد بن يحيى وزيد بن أخزم كلاهما عن مسلم بن إبراهيم.

ذكر أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أكثر الأمم في الجنة

(185) عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا ثم قال أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا ثم قال إني أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة والذي نفسي بيده ما المسلمون في الكفار إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود وكشعرة سوداء في ثور أبيض. صحيح متفق على صحته رواه البخاري في الرقاق بنحوه عن بندار عن غندر عن شعبة في الأيمان والنذور عن أحمد بن عثمان عن شريح بن مسلمة عن إبراهيم بن يوسف عن أبيه كلاهما عن أبي إسحاق. وأخرجه مسلم في الأيمان عن هناد كما أخرجاه غير أنه قال أو كشعرة سوداء. ورواه عن أبي موسى وبندار محمد بن بشار عن محمد بن جعفر عن شعبة بنحوه.

(186) عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجنة عشرون ومئة صف هذه الأمة منها ثمانون صفا. هذا الإسناد عندي عل شرط الصحيح وقد رواه محمد بن كثير عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه. ورواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الصمد عن عبد العزيز بن مسلم عن ضرار بن مرة ورواه الترمذي في صفة الجنة عن حسين بن يزيد الطحان عن محمد بن فضيل وقال حديث حسن ورواه ابن ماجه في الزهد عن ابن إسحاق الجوهري عن حسين بن حفص الأصفهاني عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة.

(187) عن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أهل الجنة عشرون ومئة وصف ثمانون منها من أمتي. لا أعلم روي إلا من طريق خالد بن يزيد البجلي وقد تكلم فيه ابن عدي.

(188) عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أنتم وربع الجنة لكم ولسائر الناس ثلاثة أرباعها قالوا الله ورسوله أعلم قال كيف أنتم وثلثها قالوا ذاك أكثر قال كيف أنتم والشطر لكم قالوا ذاك أكثر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجنة عشرون ومئة صف لكم منها ثمانون صفا. قال الطبراني لم يرو هذا الحديث عن القاسم بن عبد الرحمن إلا الحارث بن حصيرة تفرد به عبد الواحد بن زياد.

(189) عن أبي هريرة قال لما نزلت: (ثلة من الأولين، وثلة من الآخرين) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم ربع أهل الجنة أنتم ثلث أهل الجنة أنتم نصف أهل الجنة أنتم ثلثا أهل الجنة. تفرد برفعه ابن المبارك عن الثوري. وأبو عمرو اسمه محمد والد أسباط بن محمد الكوفي القرش قاله سليمان بن أحمد.

(190) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجنة عشرون ومئة صف أنتم منها ثمانون صفا.

(191) أخبرني أبو الزبير  أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أرجو أن يكون من يتبعني من أمتي يوم القيامة ربع أهل الجنة قال فكبرنا فقال أرجو أن تكونوا الشطر. هذا عندي على شرط مسلم فإنه روي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أحاديث عدة.

ذكر من يدخل الجنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بغير حساب اللهم اجعلنا منهم

(192) عن ابن شهاب حدثني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة حدثه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يدخل الجنة من أمتي زمرة هم سبعون ألفا تضيء وجوههم وضاءة القمر ليلة البدر قال أبو هريرة فقام عكاشة بن محصن الأسدي يرفع نمرة عليه فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اجعله منهم ثم قام رجل من الأنصار فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة. صحيح رواه البخاري عن أبي اليمان عن شعيب وعن معاذ بن أسد عن ابن البارك عن يونس كلاهما عن الزهري بنحوه وأخرجه مسلم عن حرملة كما رويناه وعنده: سبقك بها.

(193) عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا أو سبعمئة ألف آخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة وجوههم على صورة القمر ليلة البدر. متفق على صحته رواه البخاري عن سعيد بن أبي مريم وأخرجه هو ومسلم جميعا عن قتيبة بن سعيد عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه بنحوه.

(194) حدثنا حصين بن عبد الرحمن قال كنت عند سعيد بن جبير فقال أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة قلت أنا ثم قلت أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت قال فما صنعت قلت استرقيت قال فما حملك على ذلك قلت حديث حدثناه الشعبي قال وما حدثكم الشعبي قلت حدثنا عن بريدة بن حصيب الأسلمي أنه قال لا رقية إلا من عين أو حمة فقال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم فلعلهم الذي ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله فذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما الذي تخوضون فيه فأخبروه فقال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال ادع الله أن يجعلني منهم قال أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال ادع الله أن يجعلني منهم قال سبقك بها عكاشة. كذا أخرجه مسلم في صحيحه وأخرجه البخاري بمعناه من غير طريق أحدها عن أسيد بن زيد عن هشيم وليس في روايته يرقون. والله أعلم.

(195) عن عمران بن حصين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب قيل من هم قال هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون. صحيح أخرجه مسلم بنحوه عن يحيى بن خلف الباهلي عن المعتمر عن هشام بن حسان وعنده فيه ذكر عكاشة وليس عنه في هذه الرواية يتطير. وقد روي عن عمران من غير طريق.

(196) حدثنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وذكر حديثا وفيه فينجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضوإ نجم في السماء ثم كذلك. وذكر بقيته. رواه مسلم عن عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن منصور عن روح بن عبادة غير أنه لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم.

(197) عن ابن مسعود قال النبي صلى الله عليه وسلم عرضت علي الأمم بالموسم فراثت علي أمتي ثم رأيتهم فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم قد ملؤا السهل والجبل فقال أرضيت يا محمد فقلت نعم فقال فإن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنت منهم فقام رجل آخر فقال سبقك بها عكاشة. هذا عندي على شرط مسلم والله أعلم.

(198) حدثنا إسماعيل بن عياش أخبرني محمد بن زياد الألهاني قال سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا مع كل ألف سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي. اللفظ لا بن أبي شيبة ولفظ هشام مثله غير أنه لم يقل مع كل ألف سبعين ألفا. فإن كان إسماعيل بن عياش قد تكلم فيه بعض أهل العلم فقد روي عن أبي أمامة من غير روايته.

(199)  عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب. قال يزيد بن أخنس والله ما أولئك في أمتك يا رسول الله إلا مثل الذباب الأصهب في الذبان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله وعدني سبعين ألفا مع كل ألف سبعون ألفا وزادني ثلاث حثيات. أبو اليمان اسمه عامر بن عبد الله بن لحي ودحيم لقب واسمه عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي شيخ البخاري ومن قبله إلى أبي أمامة من رجال الصحيح إلا الهوزني وما علمت فيه جرحا.

(200) حدثني عامر بن زيد البكالي أنه سمع عتبة بن عبد السلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ربي عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ثم يشفع كل ألف لسبعين ألفا ثم يحثي ربي تبارك وتعالى بكفيه ثلاث حثيات. فكبر عمر وقال إن السبعين الأول يشفعهم الله في آبائهم وأبنائهم وعشائرهم وأرجوا الله في إحدى الحثيات الأواخر. لا أعلم لهذا الإسناد علة والله أعلم.

(201) حدثنا عطاء بن يسار أن رفاعة الجهني حدثه قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالكديد أو يقال بقديد فذكر حديثا وفيه ثم قال وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب وإني لأرجو أن لا يدخلونها حتى تبوءوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذراريكم مساكن في الجنة. وهذا عندي على شرط الصحيح والله أعلم.

(202) عن ثوبان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن ربي عز وجل وعدني من أمتي سبعين ألفا لا يحاسبون مع كل ألف سبعون ألفا.

(203) حدثني عبد الله بن عامر أن قيسا الكندي حدث أن أبا سعيد الأنماري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن ربي عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ويشفع كل ألف سبعين ألفا ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفيه. قال قيس فقلت لأبي سعيد أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم بأذني ووعاه قلبي قال أبو سعيد يعني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك إن شاء الله يستوعب مهاجري أمتي ويوفي الله عز وجل بقيته من أعرابنا. قال الطبراني لم يرو هذا الحديث عن أبي سعيد الأنماري إلا بهذا الإسناد تفرد به معاوية بن سلام. قلت وسقط من النسخة التي كتبت فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد رواه محمد بن سهل بن عسكر عن أبي توبة الربيع بن نافع بإسناده قال أبو سعيد فحسب ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ أربعمائة ألف ألف وتسعمئة ألف قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ذلك يستوعت إن شاء الله مهاجري أمتي.

(204) عن قتادة عن أبي بكر بن أنس عن أبي بكر بن عمير عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى وعدني أن يدخل من أمتي ثلاثمئة ألف الجنة فقال عمير يا رسول الله زدنا فقال هكذا بيده فقال عمير يا رسول الله زدنا فقال عمر حسبك يا عمير فقال ما لنا ولك يا ابن الخطاب وما عليك أن الله يدخلنا الله الجنة فقال عمر إن الله عز وجل إن شاء أدخل الناس الجنة بحفنة أو بحثية واحدة فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم صدق عمر. لا أعرف لعمير حديثا غيره.

(205) عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال وعدني ربي عز وجل أن يدخل من أمتي الجنة مئة ألف فقال أبو بكر يا رسول الله زدنا قال وهكذا وأشار سليمان بن حرب بيده كذلك قال يا رسول الله زدنا فقال عمر إن الله عز وجل قادر أن يدخل الناس بحفنة واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق عمر. قيل هذا حديث غريب من حديث قتادة عن أنس تفرد به أبو هلال واسمه محمد بن سليم الراسبي بصري.

(206) عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمئة ألف فقال أبو بكر رضي الله عنه زدنا يا رسول الله قال وهكذا فقال عمر حسبك يا أبا بكر فقال أبو بكر دعني وما عليك أن يدخلن الجنة كلنا فقال عمر إن شاء الله أدخل خلقة الجنة بكف واحد فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق عمر. واللفظ لابن منصور قيل لم يرو عن قتادة عن النضر إلا معمر تفرد به عبد الرزاق والله أعلم.

(207) عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا قالوا زدنا يا رسول الله قال لكل رجل سبعون ألفا قالوا زدنا وكان على كثيب فحثى بيده قالوا زدنا يا رسول الله فقال هذا وحثى بيده قالوا يا نبي الله أبعد الله من دخل النار بعد هذا. لا أعلمه روي عن أنس إلا بهذا الطريق وسئل يحيى بن معين عن عبد القاهر فقال صالح.

(208) حدثنا نافع مولى حمنة بنت شجاع قال قالت لي أم قيس لو رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة المدينة ما فيها بيت حتى انتهى إلى بقيع الغرقد فقال لي يا أم قيس قلت لبيك وسعديك يا رسول الله قال ترين هذه المقبرة يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب فقام رجل فقال وأنا يا رسول الله فقال وأنت فقام آخر فقال وأنا يا رسول الله فقال سبقك بها عكاشة. أم قيس هذه بيت محصن أخت عكاشة بن محصن الأسدي الذي سأل النبي الله أن يجعله من السبعين ألفا استشهد في زمن أبي بكر رضي الله عنهم.

(209) عن شريح هو ابن عبيد عن أبي مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والذي نفس محمد بيده ليبعثن منكم يوم القيامة إلى الجنة مثل الليل الأسود زمرة جميعها يخبطون الأرض تقول الملائكة لما جاء مع محمد أكثر مما جاء مع الأنبياء. لا أعرفه إلا من رواية إسماعيل بن عياش الحمصي.

ذكر أدنى أهل الجنة منزلة وآخرهم دخولا

(210) عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يخرج من النار حبوا فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول يا رب وجدتها ملأى فيقول الله له اذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها وإن لك عشرة أمثال الدنيا قال فيقول أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك قال لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه قال فكان يقال ذلك أدنى أهل الجنة منزلة. اتفق البخاري ومسلم على إخراجه فهذه رواية مسلم وأخرجه البخاري في صفة الجنة عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير وأخرجه أيضا في التوحيد عن محمد بن خالد عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن منصور وشيخ البخاري هذا هو والله أعلم محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي أبو عبد الله النيسابوري نسبة إلى جد أبيه.

(211) عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجا منها رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال أعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغار ذنوبه فيقال عملت كذا وكذا كذا وكذا وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له فإن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول رب قد عملت أشياء لا أراها ها هنا فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه. هكذا أخرجه مسلم في صحيحه.

(212) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أدنى أهل الجنة منزلة إن له لسبع درجات وهو على السادسة وفوقه السابعة وإن له لثلاثمئة خادم ويغدى عليه ويراح كل يوم بثلاثمئة صحفة ولا أعلمه إلا قال من ذهب في كل صفحة لون ليس في الأخرى وإنه ليلذ أو له كما يلذ آخره وإنه ليقول يا رب لو أذنت لي لأطعمت أهل جنة وسقيتهم لم ينقص مما عندي شيء وإن له من الحور العين اثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض. كذا أخرجه الإمام أحمد في مسنده.

تمت

آخر الكتاب من صفة الجنة والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا ورحم الله لم دعا لكاتبه بخاتمة الخير ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم. كتب في مستهل جمادى الأولى في سنة إحدى وأربعين وسبعمئة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

<br /> الكتاب الاول الأجوبة العراقية على الأسئلة اللاهورية لأبي الثناء شهاب الدين محمود الحسيني الآلوسي البغدادي نزل اللهم يا مجيب السائلين وغياث المستغيثين وناصر السالكين مسالك الهدى وخاذل الهائمين في مهاوي الردى الناكبين عن الصراط السوي، نحمدك على أن هديتنا للاتباع وحفظتنا عن الزيغ والابتداع وأيدتنا بالدليل الجلي والبرهان القطعي. ونصلي ونسلم على من أنزلت عليه القرآن والزمن من الشدة قد فرغ وبعثته مؤيدا بالمعجزات الباهرات لينذر الحاضرين ومن بلغ، فصدع بالحكم الشرعي ونصرته بالرعب قبل المشرفي؛ وعلى صاحبه المخصوص بفضيلة {ثاني اثنين} ومن هو في القبر مضاجعه كهاتين، هذا وقد كانا رفيقين إذ الزمان جاهلي؛ وعلى عمر الذي كانت الشياطين تفر عن ظله وتتفرق هيبة من أجله إذا سمعوا خفق نعله هربوا من الأحوذي؛ وعلى عثمان مصابر البلاء من أيدي الأعداء الذي تستحي منه ملائكة السماء، سلام الله تعالى على ذلك الحيي؛ وعلى علي الذي ملئ علما وخوفا وعاهد على ترك الدنيا فأوفى ونحن والله نحبه أوفى من حب الرافضي؛ وعلى آله وسائر أصحابه وأزواجه وأتباعه الدارجين على منهاجه ما أحرق الشهاب كل شيطان مارد غوي. أما بعد، فيقول أفقر العباد إليه عز شأنه أبو الثناء شهاب الدين السيد محمود المفتي ببغداد عفى عنه: بينما علماء العراق الذين طار صيتهم إلى سائر الآفاق يجرون أذيال أفكارهم في رياض العلوم ويجرون جريال أنظارهم في حياض سرها المكتوم -زمن خلافة مجد ونظام الدين والدنيا ومجدد جهات العدالة العليا ستر الله تعالى في العالم الأكبر والمعير من بعض أنوار جلاله وجماله قرصي الشمس والقمر رب السطوات التي لا تبارى والغرمات التي غرت أن تجارى ظل الله تعالى المبسوط في بسيطته خليفته الأعظم في خليقته السلطان بن السلطان بن السلطان محمود خان العدلي ابن السلطان عبد الحميد خان، جعل الله تعالى حبات قلوب أعاديه منثورة بانتظام نظام مواليه ولا زالت رؤوس الملوك خاضعة لجلاله وأوابها الأيابي مقيدة بين يدي أقواله وأفعاله- إذ وفد عليهم من بلاد لاهور وافد وارتاد في محافل رياضهم رائد، فحط رحله حيث تحط الرجال رحالها وأنزل أصله حيث تبلغ النفوس آمالها، وذلك حضرة فرع الشجرة القادرية وعرف الغالية المحمدية نقيب الأشراف وفخر آل عبد مناف واحد الأحدين وثالث القمرين السيد السند ومقيم الأود الطائر مجده بجناحي البازالي النسر الطائر المقتفي آثار أجداده نجوم الهدى والسادة الأكابر السيد محمود أفندي ابن الحاج زكريا لا زال ثرى مواطئ أقدامه كحلا لعين الثريا. ثم أبرز له ألوكة من علماء لاهور وفقهم الله تعالى لما فيه اغتنام الأجود مشتملة على الاستفتاء عن حكم مسئلة وقعت هنالك وتشعبت في تحقيقها على ما نقل المذاهب والمسالك وتلخيصها: ما قول علماء الدين وأئمة المسلمين ومرشدي الطريقة وجامعي الشريعة والحقيقة -من ساكني دار السلام ومجاوري حضرت علم الأعلام الغوث الرباني والهيكل الصمداني الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره وغمرنا وإياكم بره- في جماعة ظهروا في بلادنا يزعمون أنهم من أهل السنة ويسبون الصحابة خصوصا من خاض لجة الفتنة كمعاوية بن أبي سفيان ومن وافقه في ذلك الشأن، ألهذا أصل أصيل أم هو حديث خرافة من جملة الأباطيل انتهى. ومعها أيضا ورقة فيها أجوبة حقة قد حررها علماء أجلاء ومشايخ فضلاء ورقم كل منهم وراء أجوبة اسمه وختم تحته ليصدق ختمه رقمه، فعرض النقيب جميع ذلك لدى حضرت الوزير الخطير والبدر المنير الفائز بالرياستين الدينية والدنيوية والحائز الحكمتين العلمية والعملية. ثبت الجنان من وثباته ** وثباته يوم الوغى أسد الشرى يقظ يكاد يقول عما في عنيد ** ببديهة أغنته أن يتفكرا بعفو عن الدين العظيم تكرما ** ويصدّ عن قول الخفي متكبرا بين الملوك الغابرين وبينه ** في الفضل ما بين الثريا والثرا جالب قلوب أهل العراق بأنواع الإحسان على محبة سلطانه والمتمثل لأوامره الخاقانية في سره وإعلانه المتفضل على العلماء بما يضيق عن نطاق الحصر والمحب للأولياء قدست أسرارهم في المسمى والجهر جابر كسرى والمنعم علي بما لا يؤدى معشار عشر حقه وإن كنت أبا الثناء شكري مولاي علي رضا باشا لا زال له الرضاء غطاء والعلى فراشا، فأرسلها أيده الله تعالى إلى بعض علماء عصره والفضلاء المعول عليهم في مصره ليرى ماذا يجيبون وبم يرجع المرسلون. فرجعوا بعد برهة لرد من ارتكب السبب فعصى برسالتين إحداهما لعمري سيف والأخرى عصا. ثم أمرني بالجواب وتحرير الكلام في ذلك الباب مع ما أنا فيه الاشتغال بالتفسير وضيق وقتي عن منادمة سمير، فلم أر بدا من الامتثال لأمر من أوجب طاعته الملك المتعال متذكرا ما ورد عن النبي المختار ﷺ: «من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار» فشرعت في تأليف هذه العجالة وترصيف هذه الرسالة معتمدا على فيض أكرم مسئول، مرتبا لها على مقدمة وخاتمة وثلاثة فصول. المقدمة في تعريف الصحابي فأقول أما المقدمة ففي تعريف الصحابي: اعلم أن الصحابي في اللغة كما قال شيخ الإسلام القاضي زكريا من صحب غيره ما يطلق عليه اسم الصحبة وإن قلت وهو نسبة إلى الصحابة وهي إحدى المصادر التي جاء فيها فتح التاء وكسرها وعد منها غير قليل أبو محمد بن قتيبة وتكون جمع صاحب وقيدها ابن الأثير بالفتح ثم قال: ولم يجمع فاعل على فعالة إلا هذا، والذي يقتضيه كلام بعض أجلة اللغويين أن الصحابة مصدرا كان أو جمعا يجوز في فائه الفتح والكسرة ولعله المعول عليه والنسبة على تقدير المصدرية من نسبة الشخص إلى من هو منهم وذلك على ما قيل بعد تنزيل الصحابة منزلة أسماء القبائل كتميم وقيس أو الأحياء كقريش وثقيف وإلا فالقياس صاحبي فليفهم. واختلفوا في تعريفه اصطلاحا فذهب الأكثرون ومنهم المحدثون والإمام أحمد وبعض الأصوليين وبعض أصحاب الإمام الشافعي عليه الرحمة إلى أنه من اجتمع بالنبي ﷺ مؤمنا ومات على الإيمان. وبعضهم قال من رأى النبي بدل من اجتمع بالنبي. ويدخل على الأول مثل ابن أم مكتوم ولا يدخل على الثاني إلا بتمحل، لكن يخرج عنه من رآه من بعينه حيث لا يعد ذلك اجتماعا عرفا. وقد عد أئمة الحديث هذا الصنف في الصحابة، ويمكن أن يقال أن عدهم ذلك على سبيل التوسع لشرف منزلة النبي ﷺ. فأعطوا كل من رآه حكم الصحبة كما صرح بذلك أبو المظفر بن السمعاني وأيده كما قال الشمني بما رواه شعبة عن موسى السيلاني قال: أتيت أنس بن مالك فقلت: هل بقي من أصحاب النبي ﷺ غيرك؟ قال: قد بقي ناس من الأعراب قد رأوه وأما من صحبه فلا. انتهى. ففرق بين من له صحبة ومن له رؤية. والظاهر أن المراد من قولهم من اجتمع بالنبي من اجتمع به حال نبوته. ويشهد له أنهم لم يترجموا في الصحابة من ولد له ﷺ قبل النبوة ومات قبلها كالقاسم وترجموا من ولد بعدها كإبراهيم. وعليه يخرج زيد بن عمرو بن نفيل جد سعيد أحد العشرة الذي قال فيه ﷺ إنه يبعث أمة وحده، لأنه اجتمع معه ﷺ قبل النبوة ومات قبل البعثة على الصحيح بخمس سنين على الدين الحنفي. لكن ذكره أبو عبد الله بن منده والبغوي وغيرهما في الصحابة، ولعله مبني على التوسع أيضا. وقد كان يعلم قرب بعثة نبي لكن لم يعلم أنه نبينا محمد بخصوصه. فقد أخرج الفاكهي أنه قال من حديث: وأنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل ثم من ولد عبد المطلب وما أراني أدركه وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي. ومن الغريب نقل الجلال الدواني القول بنبوته وأيده بعضهم بأنه كان يستند إلى الكعبة ثم يقول: هلموا إلي فإنه لم يبق على دين الخليل غيري. وأنت تعلم أن هذا التأييد أضعف من دين ماني. ولم نر نحن هذا النقل عن أحد في الكتب المعول عليها في هذا الباب لغير الجلال والظن فيه حسن. وقولهم مؤمنا حال من فاعل اجتمع، فيخرج من اجتمع به غير مؤمن. وقولهم ومات على الإيمان يخرج من اجتمع به ﷺ مؤمنا ومات -والعياذ بالله تعالى- كافرا كربيعة بن أمية وعبد الله بن جحش وعبد الله بن خطل. ثم ظاهر الكلام أن تخلل الردة لا يضر في إطلاق وصف الصحبة، وهو كذلك عند جمع سواء كان الرجوع إلى الإسلام في حياته ﷺ أم بعد وفاته، لأن أشعث بن قيس ارتد بعد النبي ثم رجع إلى الإسلام بين يدي الصديق الأكبر وزوّجه أخته. ولم يختلف أحد من المحدثين في عده في الصحابة وقال بعض: يشترط عدم تخلل الردة. والمراد من قولهم من اجتمع به ﷺ مؤمنا ومات على الإيمان الاستمرار على الإيمان لا اعتبار الطرفين فقط. وهذا الخلاف على ما قيل ناشئ من الخلاف في أنه هل الردة وحدها تحبط العمل أو هي بشرط الموت عليها. فمن قال بالأول لقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} ذهب إلى الثاني، ومن ذهب إلى الثاني لقوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم} الآية وهي مقيدة للآية المطلقة لا أنها على التوزيع قال بالأول. وقد حققنا ذلك في تفسيرنا روح المعاني. وهل يدخل من اجتمع به ﷺ ميتا قبل أن يدفن كما وقع لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر إن صح محل نظر، ورجح الحافظ العسقلاني عدم الدخول. واستشعر بعضهم من التعريف أنه لا بد أن يكون من يطلق عليه الصحابي مميزا عاقلا، فلا يدخل الأطفال الذين حنّكهم ﷺ كعبد الله بن الحارث بن نوفل وغيره. ويمكن أن يقال بدخولهم بناء على أن الاجتماع أعم من أن يكون بالنفس والاختيار أو بالغير والاضطرار، وأن الإيمان أعم من أن يكون حقيقة أو حكما أو تبعا، كذا قيل. وأنت تعلم أنه لا ينبغي تعميم الإيمان بحيث يشمل إيمان المنافقين لأنهم ليسوا بصحابة قطعا ولا عبرة بإيمانهم وإن أجريت عليهم أحكام المؤمنين من الدفن في مقابرهم ونحو ذلك. وذهب جمهور الأصوليين إلى أن الصحابي من طالت صحبته مدة يثبت معها إطلاق الصاحب عليه عرفا بلا تحديد لمقدارها، وقيل: مقدار ستة أشهر، وقال ابن المسيب: مقدار سنة، وإلا فيشترط الغزو. وقيل: لا يعد صحابيا إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة: من طالت مجالسته أو حفظت روايته أو ضبط أنه غزى معه ﷺ أو استشهد بين يديه وقيل غير ذلك. والأصح المختار عند المحققين هو الأول فليحفظ. الفصل الأول ففي بيان أن الصحابة عدول وأما الفصل الأول ففي بيان أن الصحابة عدول اعلم أن أهل السنة -إلا من شذ- أجمعوا على أن جميع الصحابة عدول يجب على الأمة تعظيمهم. فقد أخلصوا الأعمال من الرياء نفلا وفرضا واجتهدوا في طاعة مولاهم ليرضى وغضوا أبصارهم عن الشهوات غضا، فإذا أبصرتهم رأيت قلوبا صحيحة وأجساما مرضى وعيونا قد ألفت السهر فما تكاد تطعم غمضا؛ بادروا أعمارهم لعلمهم أنها ساعات تتقضى، ولله تعالى در من قال فيهم شعرا: لله در أناس أخلصوا عملا ** على اليقين ودانوا بالذي أمروا أولاهم نعما فازداد شكرهم ** ثم ابتلاهم فارضوه بما صبروا وفوا له ثم وافوه بما عملوا ** به سيوفهم يوما إذا نشروا ومن ارتكب منهم من يخالف بعض هذه الأوصاف لم يمت إلا وهو أنقى من ليلة الصدر غير مدنس بوصمة ولا مصر على سيئة. قال الخطيب في الكفاية: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله تعالى لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم. وسرد في ذلك آيات كثيرة وأحاديث شهيرة وتخصيص عموماتها خلاف الأصل ولا دليل عليه وجعل السبب دليلا مما لا يلتفت إليه فقد قالوا: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإلا لبقي كثير من الأحكام الشرعية بلا دليل وأشكل قوله سبحانه: {اليوم أكملت لكم دينكم} كما لا يخفى. ومن سبر الآيات والأخبار والسير والآثار وجد أن الله تعالى قد عدّلهم وأعدّ لهم من الكرامة والزلفى ما أعد لهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى إلى تعديل أحد من الخلق. و"إذا جاء نهر الله تعالى بطل نهر معيقل". ولو لم يرد من الله سبحانه ورسوله ﷺ شيء من ذلك لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرتهم الإسلام وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطعَ بتعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم وأنهم أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون إثرهم. وهذا مذهب كافة العلماء ممن يعتمد قوله. ثم روى بسنده إلى أبي زرعة الرازي عليه الرحمة أنه قال: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله ﷺ فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة والمنتقصون لهم يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى» انتهى. وقال المازري في شرح البرهان: في الصحابة عدول وغير عدول ولا نقطع إلا بعدالة الذين لازموه ﷺ ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه وأما عدالة كل من رآه يوما أو زاره أو اجتمع به لغرض وانصرف فلا نقطع بها بل هي محتملة وجودا وعدما. وإلى نحو هذا ذهب ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب. وتعقبه الشيخ صلاح الدين العلائي بأنه قول غريب يخرج كثيرا من المشهورين بالصحبة والرواية عن الحكم بالعدالة كوائل بن حجر ومالك بن الحوريث وعثمان ابن أبي العاص وغيرهم ممن وفد عليه ولم يقم عنده إلا قليلا وانصرف، وكذلك من لم يُعرف إلا برواية الحديث الواحد ولم يدر مقدار إقامته من أعراب القبائل، وفي ذلك ما فيه. وذهبت الشيعة إلى أن أكثر الصحابة غير عدول؛ بل روى سليم بن قيس الهلالي منهم في كتاب وفات النبي ﷺ عن ابن عباس عن أمير المؤمنين وعن غير واحد عن الصادق: أن الصحابة ارتدوا بعد النبي ﷺ إلا أربعة، وفي رواية عن الصادق: إلا ستة. وسبب ارتدادهم بزعمهم تقديمهم أبا بكر على علي كرم الله تعالى وجهه في الخلافة وعدم عملهم بحديث الغدير الذي هو نص عندهم في خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه بعد رسول الله ﷺ بلا فصل، وثبوته بزعمهم ضروري عند جميع الصحابة من حضر الغدير منهم ومن لم يحضر، والخلافة أخت النبوة ولا فرق بين نافي النبوة عن النبي ﷺ ونافي الخلافة عن علي كرم الله تعالى وجهه في أن كلا منهما كافر، وكذا لا فرق بين الإخلال بشأن النبي والإخلال بشأن الأمير كرم الله تعالى وجهه فإن كلا منهما كفر، وقد جحد الجميع وأخلوا إلا الأربعة أو الستة بشأنه فكفروا، والعياذ بالله تعالى. ولا يخفى أن هذا المذهب في غاية البطلان ونهاية الفساد لأنه يلزم عليه عدم إمكان إثبات مطلب ما من المطالب الدينية، لأن الأدلة عندهم أربعة: كتاب وخبر وإجماع وعقل. وأما الكتاب فنقلته هم الصحابة المرتدون -وحاشاهم- بزعمهم وهم قد حرّفوه وأسقطوا كثيرا من آياته وسوره وغيروا ترتيبه وفعلوا فيه ما فعلوا، والقرآن الحق غير موجود في أيدي الناس وإنما الموجود في أيديهم المصحف المحرف الذي هو أشد تحريفا من التوراة والإنجيل ونقلته أسوء حالا من نقلتهما. فقد روى الكليني عن سالم بن مسيلمة قال: قرء رجل على أبي عبد الله وأنا أسمعه حروفا من القرآن ليس ما يقرؤه الناس فقال أبو عبد الله: مه اكفف عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم فاقرأ كتاب الله تعالى على حده. وفي كتاب الكافي للكليني وغيره أمثال هذه الرواية. وحينئذ يجوز أن تكون الأحكام المذكورة في هذا القرآن منسوخة أو مخصصة بما أسقط منه أو بعضها منسوخا وبعضها مخصصا ويجوز أن يكون كل منها مبدلا مغيرا بما يخالفه. وأما الخبر فحاله عندهم أشهر من نار على علم وهو أيضا لا بد له من ناقل، فهو إما من الشيعة أو من غيرهم، ولا اعتبار لغيرهم عندهم أصلا لأن منتهى وسائطهم في رواياتهم المرتدون المحرفون لكتاب الله تعالى المعادون المعاندون للأمير كرم الله تعالى وجهه وسائر أهل بيته. وأما الشيعة فيقال لهم: كون الخبر حجة إما لأنه قول المعصوم أو وصل بواسطة المعصوم الآخر وعصمة أحد بعينه لا تثبت إلا بخبر لأن الكتاب ساكت عن ذلك وهذا لا يصح التمسك به والعقل عاجز، والمعجزة على تقدير الصدور أيضا موقوفة على الخبر لأن مشاهدة التحدي ورؤية المعجزة لم تتيسر للكل، والإجماع إنما يكون أيضا حجة بدخول المعصوم، مع أن في نقل إجماع الغائبين لا بد من الخبر وفي إثبات عصمة رجل بعينه بخبره أو يخبر المعصوم الآخر الذي وصل الخبر بواسطته دور صريح. وأيضا كون الخبر حجة متوقف على نبوة نبي أو إمامة إمام وإذا لم يثبت بعد أصله كيف يثبت هو. والتواتر ساقط من حين الاعتبار عندهم لأن كتمان الحق والزور في الدين قد وقع من نحو مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا. وخبر الآحاد غير معتبر في هذه المطالب بالإجماع. وأما الإجماع فبطلانه أظهر لأن ثبوته فرع ثبوت الشرع وإذا لم يثبت الأصل لا يثبت الفرع. وأيضا كون الإجماع حجة عندهم ليس بالأصالة بل لكون قول المعصوم في ضمنه. فالمدار على قول المعصوم، وثبوت المعصوم قد علم حاله. وأيضا دخول المعصوم في الإجماع لا يثبت إلا بخبر وقد مر آنفا ما فيه. وأما العقل فالتمسك به إما في الشرعيات أو في غيرها. أما في الشرعيات فيرجع الأمر إلى القياس وهم لا يقولون بحجيته. وأما في غيرها فيتوقف على تجريده من شوائب الوهم والألف والعادة والاحتراز عن الخطأ في الترتيب ونحوه، والعلم بخلوصه مما يخل يتوقف على مرتبة معصوم كنبي وإمام يحكم بذلك، ولا يمكن أن يكون الحاكم العقل إذ يعود الكلام في خلوص حكمه عما ذكر ويلزم ما يلزم، على أن الكلام في الأمور الدينية لا غير والعقل الصرف عاجز عن معرفتها تفصيلا. نعم يمكن العقل ذلك إذا كان مستمدا من الشريعة كأن يكون أصل الحكم مأخوذا من الشارع فحينئذ يقاس عليه. ولما كان القياس باطل عند هذه الفرقة تعذرت تلك المعرفة وبطل حكم العقل. وقد يقال إنهم لو التزموا صحة القياس لا يجديهم نفعا لأنه يبقى الكلام في طريق ثبوت الحكم في الأصل المقيس عليه، وقد انسد عليهم كل طريق كما لا يخفى. والحاصل أن القول بارتداد كل الصحابة بعد وفاة رسول الله ﷺ إلا أربعة أو ستة مع ما ورد فيهم وعنهم ولهم مما لا يقدم عليه أحد ممن يؤمن بالله تعالى ورسوله ﷺ واليوم الآخر. ولظهور شناعة هذا القول وبطلانه عدل عنه بعض الشيعة زاعما ارتداد كبار الصحابة وعلمائهم فقط كأبي بكر الصديق وعمر الفاروق وأما العوام منهم فهم معذورون في اتباعهم باقون على إيمانهم، بل إن من العلماء من هو معذور أيضا لكونه مستضعفا في الأرض لا يقدر على شيء ولكن بشرط إنكاره في قلبه ما فعله القوم وكراهته لهم وموالاته للأمير كرم الله وجهه. ولا يخفى أنه من البطلان بمكان أيضا لما فيه من تكذيب الآيات الدالة على أنهم أفضل المؤمنين وأنه سبحانه قد رضي عنهم وهم قد رضوا عنه، ومنزلة الرضا غاية قصد العابدين. وحديث الغدير كما أوضحناه في التفسير لا يدل على الخلافة على الوجه الذي يزعمه الشيعة أصلا، وإلا لزم الطعن بالأمير كرم الله وجهه بترك الانتهاض لطلب حقه كما انتهض له حين انتهت النوبة إليه عندنا بعد وفاة عثمان . والتقية التي يزعمونها مما لا وجه لارتكابها أولا وتركها أخيرا. ودعوى أنه أمر بالأمرين حسبما وقعا مما لا دليل عليها. والشيعة بيت الكذب. وقد أبطلنا القول بالتقية في روح المعاني وفي النفحات القدسية بما لا مزيد عليه. ومن الناس من قال: على فرض دلالة ذلك الخبر على الخلافة إنا لا نسلم كفر من ارتكب خلافه، غاية ما في الباب كونه مرتكب الكبيرة ومرتكب الكبيرة ليس بكافر إلا عند الخوارج. وأنت تعلم أن الشيعة بنوا القول بالكفر على أن الخلافة أخت النبوة فالإخلال بأمرها كالإخلال بأمر النبوة، فحيث كان الإخلال بأمر النبوة كفرا كان الإخلال بأمرها كذلك، وذلك غير مسلم ودون إثباتها خرط القتاد. والحق الحقيق بالقبول أن القوم لم يرتكبوا في ذلك مكروها فضلا عن حرام فضلا عن كبيرة. ويشهد لذلك حسن معاملة الأمير كرم الله وجهه للخليفتين الأولين والامتثال لأمرهما والنصح لهما والأدب معهما في حياتهما وبعد موتهما. فقد روى الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة الشيعي في آخر كتاب طوق الحمامة في مباحث الإمامة عن سويد بن غفلة أنه قال: مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر فأخبرت عليا كرم الله تعالى وجهه وقلت: لولا أنهم يرون أنك تضمر ما أعلنوا ما اجترءوا على ذلك، فقال: نعوذ بالله سبحانه من ذلك رحمهما الله تعالى، ثم نهض وأخذ بيدي وأدخلني المسجد فصعد المنبر ثم قبض على لحيته فجعلت دموعه تتحدر عليها وجعل ينظر للبقاع حتى اجتمع الناس ثم خطب فقال: «ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله ﷺ ووزيريه وصاحبيه وسيدي قريش وأبوي المسلمين، وأنا برئ مما يذكرون وعليه معاقب، صحبا رسول الله ﷺ بالوفاء والجد في أمر الله تعالى، يأمران وينهيان ويعاقبان، لا يرى رسول الله ﷺ كرأيهما رأيا ولا يحب كحبهما حبا لما يرى من عزمهما في الله عز وجل، فقبض وهو عنهما راض والمسلمون راضون، فما تجاوزا في أمرهما وسيرتهما رأي رسول الله ﷺ وأمره في حياته وبعد موته فقبضا على ذلك رحمهما الله تعالى، فوالله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن فاضل ولا يبغضهما إلا شقي مارق وحبهما قرب وبغضهما مرد» إلى آخر الحديث وفي رواية: «لعن الله تعالى من أضمر لهما إلا الحسن الجميل» فانظر وفقك الله تعالى هذا المدح العظيم من الأمير كرم الله وجهه على منبر الكوفة ومقر الخلافة الذي يجعل احتمال التقية كرماد اشتدت به الريح، هل يبقى معه القول بارتدادهما -والعياذ بالله تعالى- وارتداد أتباعهما. سبحانك هذا بهتان عظيم. وفي نهج البلاغة وهو من أصح الكتب عند الشيعة أن عليا كرم الله وجهه قال: «لله تعالى بلاء أبي بكر، لقد قوم الأود وداوى العلل وأقام السنة، ذهب نقي الثوب أصاب خيرها وأبقى شرها، أدى لله تعالى طاعته واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدى فيها الضال ولا يستيقن المهتدي» وقد حذف مؤلفه حفظا لمذهبه "أبا بكر" وأثبت بدله لفظ "فلان" وتأبى الأوصاف إلا أبا بكر. ولهذا الإبهام اختلف الشراح فقال بعضهم: هو هو، وقال آخرون: هو عمر . وأيا ما كان فهو مما يُلقم الشيعة الحجر. وغاية ما أجابوا عنه أن ذلك كله لاستجلاب قلوب الناس فإنهم كانوا يميلون إلى الشيخين غاية الميل. ولا يخفى على المنصف أن فيه نسبته الكذب إلى المعصوم كرم الله تعالى وجهه لغرض دنيوي مظنون الحصول، بل كان اليأس منه حاصلا وفيه تضييع غرض الدين بالمرة. وحاشا ثم حاشا الأمير من ذلك. وفي الصحيح أن «مدح الفاسق غضب الرب» فما ظنك بالكافر. وأيضا أية ضرورة تلجيه إلى هذه التأكيدات والمبالغات، والاستجلاب الذي زعمه الشيعة يحصل بدونها والعبارات شتى وهو من أفصح الناس. وأيضا في هذا المدح تضليل الأمة وترويج الباطل وذلك محال من الإمام، بل الواجب عليه بيان حقيقة الحال لمن بين يديه بموجب ما صح: «اذكروا الفاسق بما فيه يحذره الناس» وأجاب بعض الإمامية بأن المراد من فلان رجل من الصحابة مات على عهد رسول الله ﷺ واختار هذا الراوندي، وهو مما يقضى منه العجب فهل كان يمكن لغيره في زمنه الشريف تقويم الأود ومداواة العلل وإقامة السنة، وهل يعقل أن رجلا مات على عهد رسول الله ﷺ وترك الناس فيما ترك ورسول الله ﷺ قائم يصدع بالحق ويهدي إلى صراط مستقيم. هذا لعمري الخرق العظيم والخطب الجسيم. وأجاب بعض آخر منهم بأن الغرض من هذا الكلام مجرد التعريض بذم عثمان وهو أيضا مما يتعجب منه لأن التعريض كان ممكنا بدون ارتكاب هذا الأسلوب. وأيضا ما الداعي للتعريض دون التصريح وهو في الكوفة بين شيعته وأنصاره. وجاء أيضا في النهج عن الأمير كرم الله وجهه في وصف الصحابة مطلقا: «كانوا إذا ذكر الله تعالى همت أعينهم حتى تبل ثيابهم وماروا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب» والأخبار في ذلك من طرق الشيعة عن الأمير كرم الله تعالى وجهه كثيرة، ومن طريق الجماعة أكثر، ولو آمنوا بها من هذا الطريق لذكرناها. وجاء مدح أبي بكر عن الأئمة ففي كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة لعلي بن عيسى الأردبيلي الإمامي أنه سئل الإمام جعفر الصادق عن حلية السيف هل تجوز؟ فقال: «نعم قد حلّى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة» فقال السائل: أتقول هكذا؟ فوثب الإمام عن مكانه فقال: «نعم الصديق نعم الصديق نعم الصديق -ثلاثا- فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله تعالى قوله في الدنيا وفي الآخرة» وفي ذلك من المدح ما لا يخفى، فإن مرتبة الصديقية بعد مرتبة النبوة كما أشبعنا الكلام عليه في التفسير، ولا أقل من كونها صفة مدح فوق العدل. فكيف يتأتى احتمال الكفر مع ذلك. وغاية ما أجابوا عما ذكر ونحوه أنه تقية، وهي كعكازه الأعمى عندهم. وقد أبطلنا القول بها في غير موضع من كتبنا كما أشرنا إليه سابقا. على أن الظاهر كون السائل شيعيا فلا معنى للتقية منه، واحتمال حضور سني مما لا يلتفت إليه. وإذا ثبت بهذه الأخبار كون الصديق أهلا للمدح ومحلا للثناء وهو الخليفة الأول ثبت أن أمر الخلافة ليس كما يزعمه الشيعة وأن الذين بايعوه وعزروه لم يرتدوا بذلك، وإلا لكان هو الأحق بنسبة الارتداد إليه وحاشاه ولكان حريا بالذم الشنيع من المعصوم بدل ذلك المدح الجليل والثناء الجزيل. وزعم بعض الشيعة أن مما يوجب الكفر أيضا قتال الأمير كرم الله وجهه وإيجابه ذلك من فروع جعل الخلافة أخت النبوة وهو أظهر من إيجاب مجرد مبايعة غيره على الخلافة لكفر. فأهل وقعة الجمل ووقعة صفين كلهم كفار عندهم الصحابة وغيرهم في ذلك سواء. وسيأتي استدلالهم على ذلك مع رده في الفصل الثاني إن شاء الله تعالى. واستدل بعض علمائهم على ارتداد الصحابة بعد رسول الله ﷺ بما روى عن أنس بن مالك وحذيفة بن اليمان مرفوعا: «ليردن علي إناس من أصحابي الحوض حتى إذا رأيتهم وعرفتهم اختلجوا دوني فأقول يا رب أصحابي أصحابي فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» وفي رواية «فأقول سحقا سحقا» والجواب عنه أولا بأنا لا نسلم أن المراد بأصحابي الصحابة بالمعنى المتقدم في المقدمة بل المراد بهم مطلق المؤمنين به ﷺ المتبعين له، وهذا كما يقال لمقلدي أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ أصحاب أبي حنيفة ولمقلدي الشافعي وهكذا وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع، وكما يقول الرجل للماضين الموافقين له في المذهب أصحابنا مع أن بينه وبينهم عدة من السنين، وعبارات الفقهاء ملئ من ذلك كما لا يخفى على المتتبع. وأيده بعضهم أنه وقع في بعض الروايات: «أمتي ولم أره» وعلى هذا فالمراد من هؤلاء الأناس عصاة من المؤمنين، ومعرفته ﷺ أنهم من أمته من إمارات تلوح عليهم. فقد جاء في الخبر أن طائعيهم يمتازون على طائعي غيرهم. وجذبهم وردهم عن الحوض كان تأديبا لهم وعقابا على معاصيهم، ويلحق بذلك دعاؤه ﷺ بقوله: «سحقا سحقا» وسجله بعضهم من قبيل قوله لصفية : «عقرى حلقى» وليس بشي. وثانيا فإذا سلمنا أن المراد بالأصحاب الصحابة بالمعنى السابق إلا أن المراد من أولئك الأناس الذين يختلجون ويؤخذون قهرا ويردون عن ورود الحوض الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق وقوله ﷺ فيهم «أصحابي» لظن أنهم لم يرتدوا كما يؤذن عندما قيل في جوابه من أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. وهذا الجواب أولى من الجواب المنفي كما لا يخفى. ولا يفيد ذلك الشيعة شيئا لأنا لا ننكر ارتداد أحد الصحابة وإنما ننكر ارتداد الخلفاء الثلاث ومن تابعهم وارتداد من حضر وقعتي الجمل وصفين منهم كما هو زعم الشيعة، والحديث لا يدل على ذلك أصلا. فإن قلت إن إناسا في الحديث كما لا يحتمل أن يراد منه من ذكرت من مرتدي الأعراب يحتمل أن يراد منه ما زعمته الشيعة فما الدليل على ما أردت؟ أجيب بأن ما جاء عن الله سبحانه والنبي ﷺ من مدحهم والثناء عليهم وكذا ما جاء عن الأئمة المعصومين عند الشيعة مما علمت ومما ستعلم إن شاء الله تعالى مانع من إرادة ما زعمته الشيعة، وحينئذ يتعين ما أردناه من ذلك حذرا من إلغاء الحديث، وزعم بعض منا أن المراد بأولئك الأناس المنافقون وفيه أنه ﷺ لم يمت حتى علم حالهم وأنهم في الدرك الأسفل من النار فكيف يقول «أصحابي أصحابي» فتأمل. واستشكل القول بعدالة جميع الصحابة بأن الله تعالى حكم بفسق البعض في قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا} الآية فإن جمهور المفسرين بل كلهم كما قال ابن عبد البر على أنها نزلت في الوليد بن عقبة أخي عثمان حين بعثه ﷺ مصدقا إلى بني المصطلق وكان بينه وبينهم إحنة فلما سمعوا به استقبلوه فحسب أنهم مقاتلوه، فرجع وقال لرسول الله ﷺ إنهم قد ارتدوا ومنعوا الزكاة فهمّ بقتالهم فجاؤا معتذرين ونزلت الآية، فسماه الله تعالى فاسقا وقد عده أئمة الحديث من الصحابة وجعله الحافظ العسقلاني ـ عليه الرحمة ـ في القسم الأول من الأقسام الأربعة. على أن قصة صلاته بعد رسول الله ﷺ بالناس الصبح أربعا وهو سكران مشهودة وفي كتب الأخبار مذكورة، وقصة جلد عمر له بعد أن ثبت عليه شرب الخمر مخرجة في الصحيحين وهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، وذلك ينافي العدالة قطعا. وأجيب بأنه ليس مرادنا من كون الصحابة جميعهم عدولا أنهم لم يصدر عن أحد منهم مفسق أصلا ولا ارتكب ذنبا قط فإن دون إثبات ذلك خرط القتاد، فقد كانت تصدر منهم الهفوات ويرتكبون ما يُحدّون عليه، وإنكار ذلك مكابرة صرفة وعناد محض وجهل بموارد الآيات والأحاديث؛ بل مرادنا أنهم لم ينتقلوا من هذه العار إلى دار القرار إلا وهم طاهرون مطهرون تائبون آيبون ببركة صحبتهم للنبي ﷺ ونصرتهم إياه وبذل أنفسهم وأموالهم في محبته وتعظيمهم له أشد التعظيم سرا وعلانية، كما يدل على ذلك الكتاب وتشهد له الآثار. ومما يفصح عن تعظيمهم له ما رواه الموافق والمخالف أن عروة بن مسعود لما أتى النبي ﷺ في قضية الحديبية وكلمه ثم رجع إلى الصحابة قال لهم: أي قوم والله هؤلاء ولقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا ﷺ، إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما. إلى آخر ما قال. ولا يرد على هذا المنافقون لأنهم بمعزل عن الاتصاف بذلك، ولا يعلم ارتداد متصف بما ذكره وموته على الردة ليقال هلا رجع إلى الإيمان ببركة ذلك. وإن سلمنا وجود مرتد كان متصفا بما ذكر وقد مات على الردة فهو أعز من بيض الأنوق. وقد يستشهد لما قلنا بقوله تعالى بعد تلك الآية: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم} فإن الله تعالى قد أخبر في هذه الآية أنه سبحانه حبب إلى هؤلاء المؤمنين الذين لو أطاعهم رسول الله ﷺ في كثير من الأمر لفشلوا ووقعوا في المشقة والإثم الإيمانَ وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان. ومن أخبر سبحانه عنه بذلك لا يكاد يموت إلا طاهرا راشدا. ويدخل في هؤلاء المخاطبين الوليد بلا ريب لأن العنت كان ظاهرا على تقدير إطاعته والعمل بموجب ما أخبر به كما لا يخفى. وكذا بقوله عز وجل: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور} وقوله سبحانه: {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها} وقوله جل وعلى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا} الآية فإن فيها التعبير بالمضارع المفيد للاستمرار التجددي كما قيل بمعونة المقام واستمرار الابتغاء الذي هو من أفعال القلب مما يقضي بعدم إصرارهم على الذنب إن صدر منهم. كذا قرره بعضهم وللنظر فيه مجال. واستشكل القول بالعدالة أيضا بأن كثيرا من الصحابة فر من الزحف في غزوتي أحد وحنين والفرار من الزحف من أكبر الكبائر. وبأن الكثير منهم انفض عن رسول الله ﷺ حين أقبلت العير من الشام يوم الجمعة كما قص الله تعالى ذلك بقوله: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما} الآية. وقد أخرج هذا مخرج الذم فلا أقل من أن يكون مفسقا. وبأن النبي ﷺ طلب في مرض موته دواة وقرطاسا ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده فأبوا أن يأتوه بذلك حتى قال عمر عنه ما قال وكثر اللغط فقال رسول الله ﷺ: «اخرجوا عني» فقد خالفوا أمره والله تعالى يقول: {وأطيعوا الله والرسول} الآية. وبأن مسلما روى في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: أن رسول الله ﷺ قال: «إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم» فقال عبد الرحمن بن عوف: كما أمرنا الله تعالى، فقال رسول الله ﷺ: «كلا بل تتنافسون ثم تتدابرون ثم تتباغضون ثم تنطلقون إلى مساكن المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض» فإن هذا صريح في وقوع التنافس والتدابر والتباغض فيما بين الصحابة وذلك ينافي العدالة. وأجيب عن الأول بأن الفرار يوم أحد كان قبل النهي، ولئن قلنا كان بعده فهو معفو عنه بدليل قوله تعالى: {ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم} وأما الفرار يوم حنين فبعد تسليم أنه كان فرارا في الحقيقة معاتبا عليه لم يصر عليه المخلصون بل انقلبوا وظفروا بدليل قوله سبحانه: {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين} وعن الثاني بأن تلك القصة إنما كانت في أول زمان الهجرة قبل التأدب بآداب الشريعة، فما وقع حينئذ كانوا معذورين فيه، ولهذا لم يتوعد عليه ولم يعاتبهم رسول الله ﷺ والآية خارجة مخرج العتاب بطريق الوعظ والنصيحة. على أنه قد أعقب ذلك الفعل أنواع من الطاعات والاستغفار وأن الحسنات يذهبن السيئات. وعن الثالث بأن الأمر منه لم يكن إلا من باب الاستحباب وهو أمر إرشاد وإصلاح ولم يكن لأمر ضروري وإلا لفعله ﷺ بعد مع خاصة أهل بيته كالأمير كرم الله وجهه فإنه بقي حيا بعد ذلك خمسة أيام. ويؤيد ذلك كما قال غير واحد قوله سبحانه: {اليوم أكملت لكم دينكم} وهو ظاهر. والتخلف عن الامتثال كان ناشئا عن محض المحبة والوداد دون الشقاق والعناد لما رأوا من شدة مرضه ومثل هذه المخالفة لا تعد فسقا وإلا لزم فسق جميع الحاضرين ومنهم علي كرم الله وجهه ولا قائل به بالإجماع. وقد وقع للأمير بخصوصه مثل هذه المخالفة عام الحديبية فإنه كتب في كتاب الصلح: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله تعالى، فلم يرض المشركون بهذا العنوان وقالوا: لو كنا نعلم أنه رسول الله ما حاربناه، فأمره أن يمحو ذلك وبالغ فيه فلم يفعل، حتى محاه بيده الشريفة. بل وقع منه كرم الله وجهه ما يرى أشد من ذلك؛ فقد صح من طرق متعددة: أن النبي ﷺ ذهب إلى بيت الأمير والبتول ليلة وأيقظهما لصلاة التهجد وأمرهما بها فقال الأمير: والله لا نصلي إلا ما كتب الله لنا وإنما أنفسنا بيد الله لو وفقنا لصلينا، فرجع وهو يضرب فخذيه ويقول: «وكان الإنسان أكثر شيء جدلا» وقد رواه البخاري أيضا في صحيحه. وأمره ﷺ بالخروج لمن في الحجرة لم يكن إلا لما هو فيه من المرض. وكلام عمر لم يكن إلا لغلبة الحال عليه الناشئة من كلام المحبة. وقد بسطنا الكلام على ذلك في كتابنا النفحات القدسية في رد الإمامية. وعن الرابع بأن الخطاب وإن كان للصحابة لكن باعتبار وقوع ذلك فيما بينهم وهو لا يستدعي أن يكون منهم. ويدل على ذلك أن الصحابة إما مهاجرون أو أنصار، والحديث صريح في أن أولئك الفرقة ليسوا مهاجرين، والواقع ينفي كونهم من الأنصار لأنهم ما حملوا المهاجرين على التحارب؛ فتعين أنهم من التابعين. وقد وقع ذلك منهم فإنهم حملوا المهاجرين على التحارب بينهم كمالك بن الأشتر وإضرابه ولا كلام لنا فيهم. واستشكل أيضا بغير ذلك وأجيب بما أجيب. وأجاب بعضهم عن جميع ذلك بأنا لم ندع العصمة في الصحابة وإنما ادعينا العدالة فيهم، ومجرد وقوع ما يخل بها في وقت من أحدهم لا يستدعي سلبها عنه دائما. وكثرة الآيات والأخبار والآثار الواردة في مدحهم الناطقة بوفور ما أعد الله تعالى تقتضي أنهم لم يذهبوا إلى ربهم إلا وهم طاهرون مطهرون فلا ينبغي الخوض فيهم والطعن فيهم {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم} وهو في معنى جواب الذي ذكرناه فيما تقدم عن الوليد . وزعم بعضهم -لاضطراب الأدلة عليه- أنه فيهم عدولا وغير عدول وفصّل ذلك بأنهم قسمان القسم الأول من مات قبل الفتنة والقسم الثاني من مات بعدها، فمن تحقق ارتكابه لمفسق من القسم الأول ولم تتحقق توبته عنه -وقليل ما هم- حكم بفسقه، ومن لم يتحقق منه ذلك بأن تحقق منه الصلاح والمآثر الحسان أو كان مستور الحال حكم بعدالته، ومن خالط الفتنة ولم ينصر الإمام الحق فإن كان عن اجتهاد وكان من أهله فهو عدل وإن كان مخطئا في الواقع، وكذا حكم من اعتزل الفئتين كابن عمر ومن خالط ولم ينصر الإمام ولم يكن ذلك عن اجتهاد بل لمحض اتباع الهوى وحب الرياسة فهو فاسق إلى أن تحقق توبته. وأما المقلدون فإن كانوا قد قلدوا الباغي مع العلم بما ورد في حق الأمير كرم الله تعالى وجهه فهم فسقة أيضا. وإن كانوا قد قلدوا مع الجهل فيقرب بالقول بأنهم عدول معذورون انتهى. وأنت تعلم أن هذا القول خلاف المعول عليه عند أهل السنة فقد قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم في الصحابة الذين أدركوا الفتنة إنه اتفق أهل الحق ومن يعتد به في الإجماع على قبول شهاداتهم ورواياتهم وكمال عدالتهم وأنهم معذورون فيما صدر منهم وما صدر إلا عن اجتهاد. ويعلم من ذلك حكم من لم يدرك الفتنة كما لا يخفى وأنا لا أجزم بأن جميع ما صدر إنما صدر عن اجتهاد ولا اعتقد أن جميع الصحابة بالمعنى السابق الشامل لمن اجتمع معه ﷺ ساعة مجتهدون ومع هذا أقول: لا ينبغي الخوض في أحد منهم والقول بعدم عدالته فإن الخطر في ذلك عظيم وقد قال الله سبحانه: {ولا تقف ما ليس لك به علم} ولا ينبغي لمن يعرف نفسه أن يكون دون نملة سليمان ـ عليه السلام ـ في الأدب مع أصحاب نبيه ﷺ، ألا تسمع قولها لأخواتها: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون} فقيدت بقولها {وهم لا يشعرون} حذارا من توهم نسبته هذا الفعل إليهم عالمين، وذلك غاية الأدب. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. الفصل الثاني فيما شجر بين الصحابة وأما الفصل الثاني ففيما شجر بين الصحابة وتلخيص الكلام فيه وبيان حكم الطائفتين وهو كالتتمة للفصل الذي قبله اعلم أن أعظم ما تداولته الألسن من الاختلاف الواقع بين الصحابة الكرام ما وقع زمن خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه فنشأ منه وقعتان عظيمتان وقعة الجمل ووقعة صفين. والأصل الأصيل لذلك قتل عثمان . وأنكر الهشامية تلك الوقعتين، وإنكار ذلك مكابرة لا يلقى لها سمعا لأن الخبر متواتر في جميع مراتبه. وقعة الجمل وتلخيص الأولى أنه لما قتل عثمان صبرا توجع المسلمون فسار طلحة والزبير وعائشة -وكان قد لقيها الخبر وهي مقبلة من عمرتها- نحو البصرة فلما علم علي كرم الله وجهه بمخرجهم واعترضهم من المدينة لئلا يحدث ما يشق عصا الإسلام ففاتوه وأرسل ابنه الحسن وعمار يستنفران أهل المدينة وأهل الكوفة، ولما قدموا البصرة استعانوا بأهلها وبيت مالها حتى إذا جاءهم الإمام كرم الله وجهه حاول صلحهم واجتماع الكلمة وسعى الساعون بذلك فثار الأشرار ومنهم قتلة عثمان بالتحريش ورموا بنار الفتنة، فحمي الوطيس وقامت الحرب على ساق وكان ما كان، وانتصر علي كرم الله وجهه وكان قتالهم من ارتفاع النهار يوم الخميس إلى صلاة العصر لعشر خلون من جمادى الآخرة. ولما ظهر علي جاء إلى أم المؤمنين فقال: غفر الله لك، قالت: ولك، ما أردت إلا الإصلاح. ثم أنزلها دار عبد الله بن خليل وهي أعظم دار في البصرة على صفية بنت الحارث أم طلحة الطلحات، وزارها بعد ثلاث ورحبت به وبايعته وجلس عندها، فقال رجل: يا أمير المؤمنين إن بالباب رجلين ينالان من عائشة، فأمر القعقاع بن عمر أن يجلد كل واحد منهما مائة جلدة وأن يجردهما من ثيابهما ففعل. ولما أرادت الخروج من البصرة بعث إليها بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع، وأذن لمن نجا من الجيش أن يرجع إلا أن يحب المقام وأرسل معها أربعين امرأة وسير معها أخاها محمدا. ولما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء علي كرم الله وجهه فوقف على الباب وخرجت من الدار في الهودج فودعت الناس ودعت لهم وقالت: يا بني لا يغتب بعضكم بعضا إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه لمن الأخيار. فقال علي كرم الله وجهه: أنت والله ما كان بيني وبينها إلا ذلك وإنها زوجة نبيكم ﷺ في الدنيا والآخرة. وسار معهما مودعا أميالا وسرح بنيه معها بقية ذلك اليوم. وكانت بعد ذلك إذا ذكرت ما وقع منها تبكي حتى تبل خمارها. ففي هذه المعاملة من الأمير كرم الله وجهه دليل على خلاف ما يزعمه الشيعة من كفرها، وحاشاها وفي ندمها وبكاها على ما كان دليل على أنها لم تذهب إلى ربها إلا وهي نقية من غبار تلك المعركة. على أن في كلامها ما يدل على أنها كانت حسنة النية في ذلك. وقال غير واحد: إنها اجتهدت ففعلت لكنها أخطأت في اجتهادها، ولا أثم على المجتهد المخطئ بل له أجر على اجتهاده وكونها من أهل الاجتهاد مما لا ريب فيه. وآية {وقرن في بيوتكن} إلخ خطابا لنساء النبي ﷺ لا تأبى ذلك إذ ليس المراد منها إلا تأكيد أمر التستر والحجاب وإلا لما أخرجهن ﷺ بعد نزول الآية للحج والعمرة مثلا، ولما جاز خروجهن لذلك ولا لعيادة المرضى والأقارب. والسفر لا ينافي التستر والحجاب كما لا يخفى على ذوي الألباب. نعم قالت الشيعة إنه يبطل اجتهادها أنه ﷺ قال يوما لأزواجه: «كأني بإحداكن تنبحها كلاب الحؤب فإياك أن تكوني يا حميراء» الحوءب -كجعفر- منزل بين البصرة ومكة، وقد نزلته عائشة ونبحتها كلابه فتذكرت الحديث، وهو صريح في النهي ولم ترجع. والجواب عن ذلك أن الثابت عندنا أنها لما علمت ذلك وتحققته من محمد بن طلحة همّت بالرجوع إلا أنها لم توافق عليه، ومع هذا شهد لها مروان بن الحكم مع ثمانين رجلا من دهاقين تلك الناحية أن هذا المكان مكان آخر وليس بحؤب، على أن "إياك أن تكوني يا حميراء" ليس موجودا في الكتب المعول عليها فيما بين أهل السنة، فليس في الخبر نهي صريح ينافي الاجتهاد. على أنه لو كان لا يرد محذور أيضا لأنها اجتهدت فسارت حين لم تعلم أن في طريقها هذا المكان، وحيث علمت لم يمكنها الرجوع لعدم الموافقة عليه، وليس في الحديث بعد هذا النهي أمر بشيء لتفعله، فلا جرم مرت على ما قصدته من أصلاح ذات البين المأمورة به بلا شبهة. وقد شُبه حالها في ذلك بحال شخص رأى من بعيد طفلا يريد أن يقع في بئر فسعى ليمنعه من ذلك فمر بلا شعور بين يدي مصل فإنه يذهب لما قصد لأنه لو رجع لم يحصل له تلافي ما وقع وفاتَه تخليص الطفل المأمور به. وأما طلحة والزبير فلم يموتا إلا على بيعة الإمام كرم الله تعالى وجهه أما طلحة فقد روى الحاكم عن ثور بن مجزأة أنه قال: «مررت بطلحة يوم الجمل في آخر رمق فقال لي: من أنت؟ قلت: من أصحاب أمير المؤمنين علي فقال: ابسط يدك أبايعك، فبسطت يدي فبايعني وقال: هذه بيعة علي، وفاضت نفسه. فأتيت عليا فأخبرته فقال: الله أكبر، صدق الله تعالى ورسوله ﷺ، أبى الله سبحانه أن يدخل طلحة الجنة إلا وبيعتي في عنقه» وأما الزبير فقد ناداه علي كرم الله تعالى وجهه وخلا به وذكره قول النبي ﷺ له: «لتقاتلن عليا وأنت له ظالم» فقال: لقد أذكرتني شيئا أنسانيه الدهر لا جرم لا أقاتلك أبدا. فخرج من المعسكرين نادما وقُتل بوادي السباع مظلوما، قتله عمرو بن جرموز. وقد روى الموافق والمخالف أنه جاء بسيفه واستأذن على الأمير كرم الله وجهه فلم يأذن له فقال: أنا قاتل الزبير، فقال: أبقتل ابن صفية تفتخر! سمعت رسول الله ﷺ يقول: «بشر قاتل ابن صفية بالنار» والشيعة كما في أبكار الأفكار للآمدي يزعمون أن استحقاقه للنار ليس لقتل الزبير بل لما علمه منه في عاقبة أمره، وذلك أن ابن جرموز قدم بعد ذلك على الأمير كرم الله وجهه مع أهل النهروان وقتل هناك، وإلا لقتله الأمير . والجواب أنا نعلم ضرورة أن النبي ﷺ إنما ذكر ذلك الخبر في حق الزبير من معرض التعظيم له والتفخيم من أمره، وذلك يأبى كون استحقاق قاتله النار لأمر آخر غير قتله. ولو كان المقصود ما ذكر لكان الكلام من باب الألغاز المنافي لحاله ﷺ الموجب لارتفاع الوثوق بأوامره ونواهيه لاحتمال أن يريد بها معنى لم يظهر لنا، كما هو مذهب الملاحدة الباطنية. وأما عدم قتله فلقيام الشبهة على ما قيل. ونظيره ما أخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي عن الحسن: «أن ناسا من الصحابة ذهبوا يتطرقون فقتل واحد منهم رجلا قد فر وهو يقول إني مسلم إني مسلم فغضب رسول الله ﷺ من ذلك غضبا شديدا ولم يقتل القاتل» وكذا قتل أسامة فيما أخرجه السدي رجلا يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فلامه رسول الله ﷺ جدا ولم يقبل عذره وقال له: «كيف أنت ولا إله إلا الله» ونزل قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} الآية. وأجاب آخرون بأن العلماء اختلفوا في أنه هل يجب القصاص على الحاكم إذا لم يطلب الولي أم لا، ولعل الأمير كرم الله وجهه ممن لا يرى الوجوب بدون طلب ولم يقع. وروي أيضا أن الأمير قال لما جاءه عمر بن طلحة بعد موت أبيه: مرحبا بابن أخي، إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} وهذا ونحوه يدل على أنهما لم يذهبا إلا طاهرين مطهرين. وقعة صفين وأما تلخيص الوقعة الثانية فقد ذكر المؤرخون أن معاوية كان قد استنصره أبناء عثمان ووكلوه في طلب حقهما من قتلة أبيهما، فلما بلغه فراغ علي كرم الله تعالى وجهه من وقعة الجمل ومسيره إلى الشام خرج من دمشق حتى ورد صفين في نصف المحرم فسبق إلى سهولة المنزل وقرب من الفرات، فلما ورد الأمير دعاهم إلى البيعة فلم يفعلوا وطلبوا منه قتلة عثمان وكانوا قد انحازوا إلى عسكره ولهم عشائر وقبائل، ومع هذا لم يمتازوا بأعيانهم، فمال إلى التأخير حتى يمتازوا ويتحقق القاتل من غيره، فأبى معاوية إلا تسليم من يزعمونه قاتلا، وكثر القيل والقال حتى اتهم بنو أمية الأمير كرم الله وجهه بأنه الذي دلس على قتل عثمان وكان كرم الله وجهه قد تصرف بسلاحه فقال لذلك قائلهم: ألا ما لليلي لا تغور كواكبه ** إذا غار نجم لاح نجم يراقبه بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم ** ولا تنهبوه لا تحل مناهبه بني هاشم لا تعجلونا فإنه ** سواء علينا قاتلوه وسالبه وإنا وإياكم وما كان منكم ** كصدع الصفا لا يرأب الصدع شاعبه بني هاشم كيف التعاقد بيننا ** وعند عليٍ سيفه وحرائبه لعمرك ما أنسى ابن أروى وقتله ** وهل يَنسَيَن الماء ما عاش شاربه هُمُ قتلوه كي يكونوا مكانه ** كما غدرت يومًا بكسرى مرازبه وكان الأمير كرم الله وجهه يلعن القتلة ويقول: يا معاوية لو نظرت بعين عقلك دون عين هواك لرأيتني أبرأ الناس من قتلة عثمان. وتصرفه بسلاحه لأنه كان من الأشياء الراجعة إلى بيت المال. وحكمه إذ ذاك كحكم المدافع في زماننا في أن حق التصرف في ذلك للإمام. ثم إنه قد وقع الحرب بينهم مرارا وبقي كرم الله وجهه بصفين ثلاثة أشهر وقيل سبعة، وقيل تسعة؛ وجرى ما تشيب منه الرؤوس ويستهون له حرب البسوس، وليلة الهرير أمرها شهير. وآل الأمر إلى التحكيم. وحدث من ذلك ما أوجب ترك القتال مع معاوية والاشتغال بأمر الخوارج، وذلك تقدير العزيز العليم. وأهل السنة إلا من شذ يقولون إن عليا كرم الله تعالى وجهه في كل ذلك على الحق لم يفترق عنه قيد شبر وإن مقاتليه في الوقعتين مخطئون باغون وليسوا كافرين -خلافا للشيعة- ولا فاسقين خلافا للعمرين أصحاب عمرو بن عبيد من المعتزلة ولمن شذ من أهل السنة، ولا أن أحد الفريقين، من علي كرم الله وجهه ومقاتليه، لا بعينه فاسق خلافا للواصلية أصحاب واصل بن عطاء المعتزلي. أما أن الحق مع علي كرم الله وجهه فغني عن البيان. وأما كون المقاتل باغيا فلأن الخروج على الإمام الحق بغي وقد صح أنه ﷺ قال: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية» وقد قتله عسكر معاوية. وقوله حين أخبر بذلك: "قتله من أخرجه" مما لا يلتفت إليه، وإلا لصح أن يقال إن رسول الله ﷺ قاتلُ حمزة وأضرابه ممن قتل معه وكذا قول من قال: "المراد من الفئة الباغية الفئة الطالبة أي لدم عثمان فلا يدل الخبر على البغي بالمعنى المذموم". وأما كونه من ليس بكافر فلِما في نهج البلاغة أن عليا كرم الله وجهه خطب يوما فقال: «أصحبنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة» ولقوله تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين} فسمى الله تعالى الطائفتين المقتتلتين مؤمنين وأمر بالإصلاح بينهما. وأجاب بعض الشيعة عن الآية بأنها في قتال المؤمنين بعضهم مع بعض دون القتال مع الإمام والبغي عليه والخطاب فيها للأئمة أمروا أن يصلحوا بين طائفتين من المؤمنين اقتتلوا فيما بينهم وأن يقاتلوا إذا بغت إحداهما حتى تفيء. ولا يخفى ما في هذا الجواب من الوهن وعدم نفعه للمجيب أصلا لأن الأمر الثاني يستدعي أن يكون القتال مع الإمام ضرورة فافهم. واستدل بعضهم على كفر المقاتلين للإمام كرم الله وجهه بقوله ﷺ له: «حربك حربي» ولأهل العباء: «أنا سلم لمن سالمتم حرب لمن حاربتم» وحرب آل بيته ﷺ كفر بلا ريب وبقوله : «حب علي إيمان وبغضه كفر ونفاق» ولا بغض أظهر من الحرب فبه يثبت الكفر والنفاق. وأجاب أهل السنة بأن الخبر الأول لم يروه منا إلا ابن جرير وفي روايته عندنا وهن شهير. نعم ذكره الطوسي المنجم وغيره من الشيعة وهم بيت الكذب وأكثر رواتهم زنادقة بشهادة الأئمة كما يشهد بذلك الكافي وغيره. وعلى تقدير صحة الرواية لا حجة فيه لأنه خارج مخرج التهديد والتغليظ بدليل ما حكم به الأمير كرم الله وجهه من بقاء إيمان أهل الشام وأخوتهم في الإسلام. ومثل ذلك كثير في الكتاب والسنة. أو يخصّ الحرب بما كان كحرب الخوارج صادرا عن بغض وعداوة وإنكار لياقة الأمير للخلافة باعتبار الدين وذلك كفر عند كل مؤمن، وأدلة التخصيص أكثر من أن تحصر. وقال بعض: لا شك أن المقصود التشبيه بحذف الأداة كزيد أسد فكأنه قيل حربك كحربي فإن كان الحرب فيه المصدر المبني للفاعل صح أن يكون وجه الشبه الوجوب أي أن حربك لمن حاربك وبغى عليك من المؤمنين واجب عليك كحربي لمن حاربني من الكافرين واشتراك الحربين في الوجوب لا يستدعى اشتراك المحاربين بصيغة اسم المفعول في الكفر وهو ظاهر، وإن كان الحرب فيه المصدر المبني للمفعول صح أن يكون وجه الشبه كونه حراما وضلالا مثلا ولا يتعين كونه كفرا. ومن أصحابنا من منع كون حرب الرسول كفرا فقد قال سبحانه: {فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} فإنها نزلت في آكلي الربا وهم ليسوا بكفار. وقال جل وعلا في قطاع الطريق: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} الآية ولم تحكم الشيعة بكفرهم أيضا، وفيه تأمل لا يخفى وجهه. وبأن الخبر الثاني كالخبر الأول غير ثابت عندنا ولم يروه أحد منا أيضا. وقيل: إنه على تقدير الثبوت خارج مخرج التهديد لمن حارب أهل العباء على طرد ما تقدم في الخبر السابق. والخبر الأخير رواه مسلم لكن لا نسلم أن الحرب بغض فقد يحارب الإنسان من يحبه والحيثيات مختلفة كما لا يخفى. ومما يدل على أن المحارب غير كافر صلح الحسن مع معاوية وهو مما لا مجال لإنكاره. فقد روى المرتضى وصاحب فصول المهمة من الإمامية أنه لما أبرم الصلح بينه وبين معاوية خطب فقال: «إن معاوية نازعني حقا لي دونه فنظرت الصلاح للأمة وقطع الفتنة وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمني وتحاربوا من حاربني ورأيت أن حقن دماء المسلمين خير من سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم» انتهى. وفي هذا دلالة ظاهرة على إسلام الفريق المصالَح وأن المصالحة لم تقع إلا اختيارا. ولو كان المصالح كافرا لما جاز ذلك ولما صح أن يقال فنظرت الصلاح للأمة وقطع الفتنة إلخ فقد قال سبحانه وتعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} ويدل على وقوع ذلك اختيارا أيضا ما رواه صاحب الفصول عن أبي مخنف من أن الحسين كان يبدي كراهة الصلح ويقول: "لو خر أنفي كان أحب إلي مما فعله أخي" فإنه لا معنى لهذا الكلام لو لم يكن وقوع الصلح من أخيه اختيارا، فإن الضرورات تبيح المحظورات وهو ظاهر. وبعد هذا كله قد ثبت عند جمع أن معاوية ندم على ما كان منه من المقاتلة والبغي على الأمير كرم الله وجهه واتفق أن بكى عليه كرم الله وجهه فقد أخرج ابن الجوزي عن أبي صالح قال: قال معاوية لضرار: صف لي عليا، فقال: أوتعفيني؟ قال: بل تصفه، فقال: أوتعفيني؟ قال: لا أعفيك، قال: أما إذ لا بد فإنه كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه ويخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما خشب كان والله كأحدنا يجيبنا إذا سألناه ويبتدينا إذا أتيناه ويأتينا إذا دعوناه -إلى أن قال- لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله فأشهد بالله تعالى لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجونه وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين فكأني أسمعه يقول: يا دنيا يا دنيا أبي تعرضت أم بي تشوقت، هيهات هيهات غري غيري، قد بتتك ثلاثا، لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق. قال: فذرفت دموع معاوية فما يملكها وهو ينشفها بكمه وقد اختنق القوم بالبكاء، ثم قال معاوية: رحم الله تعالى أبا الحسن كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ فقال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقى عبرتها ولا يسكن حزنها. انتهى. وما يذكره المؤرخون من أن معاوية كان يقع في الأمير كرم الله وجهه بعد وفاته ويظهر ما يظهر في حقه ويتكلم بما يتكلم في شأنه مما لا ينبغي أن يعوّل عليه أو يلتفت إليه، لأن المؤرخين ينقلون ما خبث وطاب ولا يميزون بين الصحيح والموضوع والضعيف، وأكثرهم حاطب ليل لا يدري ما يجمع. فالاعتماد على مثل ذلك في مثل هذا المقام الخطر والطريق الوعر والمهمة القفر الذي تضل فيه القطا ويقصر دونه الخُطا مما لا يليق بشأنه عاقل فضلا عن فاضل. وما جاء من ذلك في بعض روايات صحيحة وكتب معتبرة رجيحة فينبغي أيضا التوقف عن قبوله والعمل بموجبه لأن له معارضات مثله في الصحة والثبوت. على أن من سلم من داء التعصب وبرء من وصمة الوقوع في أصحاب رسول الله ﷺ حمل ذلك على أحسن المحامل وأوّله بما يندفع به الطعن عن أولئك السادة الأماثل. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل الفصل الثالث في بيان حكم سب الصحابة وأما الفصل الثالث ففي بيان حكم سب الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـ وهو المقصود في الحقيقة من هذه الرسالة اعلم أن السبّ في اللغة الشتم، ويكون بكل ما فيه تنقيص وله مراتب متفاوتة. وأجمع أهل السنة أنه مطلقا في حق الصحابة منهي عنه، وإنما الخلاف في كفر مرتكبه. وستعلم قريبا إن شاء الله تعالى الحق في ذلك. واللعن مثل السب بل هو أدهى وأمر، وقد يقال له سب أيضا. ففي النهاية لابن الأثير: أصل اللعن الطرد والإبعاد من الله تعالى ومن الخلق السب والدعاء انتهى. والشيعة جوزوا السب واللعن على أكثر الصحابة ومنهم من كتم النص وهو بزعمهم حديث الغدير وكذا من حارب الأمير كرم الله وجهه كعائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وأضرابهم. بل اعتقدوا أن لعن هؤلاء وسبهم من أعظم العبادات وأقرب القربات، وذلك من الضلالة بمكان، فقد صحت أحاديث كثيرة في النهي عن اللعن مطلقا حتى لعن الحيوانات، وصرح بعض الحنفية بأن لعن الكلب من وجه كفر. وقد تواتر عند الفريقين نهي الأمير كرم الله وجهه عن لعن أهل الشام، فما ظنك بأصحاب النبي بل بكبارهم الذين ورد في حقهم من الآيات البينات ما ورد وأثنى عليهم رسول الله ﷺ بما لم يثن على أحد. فمن ذلك قوله سبحانه: {والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم} وقوله تعالى: {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم} وقوله عز وجل: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ورضوا عنه} الآية وقوله جل وعلا: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} الآية وقوله تبارك وتعالى: {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون} الآية وقوله سبحانه: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير} إلى غير ذلك من الآيات التي لا تحصى. ومثلها الأخبار الواردة فيهم عموما وخصوصا. ولا مساغ للتخصيص الذي يزعمه الشيعة بوجه من الوجوه كما لا يخفى. وليس لهم أن يقولوا بالردة والعياذ بالله تعالى لما علمت. وإن قالوا إنهم ارتكبوا من الذنوب ما سوغ لعنهم وإن لم يكن كفرا فإن مسوغ اللعن ليس مخصوصا به ردوا بأنا لا نسلم ارتكابهم لذلك ودون إثباته خرط القتاد، وعلى فرض التسليم قد قدمنا أن الصحابة لما منّ الله تعالى عليهم من شرف صحبة النبي ﷺ وبذل الأنفس والأموال والأولاد بين يديه مع صدق النية وخلوص العزيمة وشدة المحبة لا يصرون على ذنب فعلوه وخطيئة ارتكبوها، فما ذهبوا إلى ربهم إلا بتوبة نصوح طاهرين من الآثام مكفرا عنهم ما يقتضى الملام، فلم يتحقق فيهم حال السب واللعن -والعياذ بالله تعالى- ما يسوغ ذلك. واعتبار ما كان لو صح لاقتضى جواز سب مثل حذيفة وسلمان فإنهما كانا قبل أن يسلما كافرين، والشيعة لا يجوزون ذلك فيهما لأنهما عندهم من الصحابة الموالين للأمير كرم الله وجهه. وبالجملة اعتبار ذنب مغفور للقدح والطعن في غاية السفه وموجب لفساد عظيم ومن ذلك صحة إطلاق الكافر مثلا على كثير من المؤمنين، وهو كما ترى وقد قال سبحانه وتعالى: {بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان} وأيضا الوارد في لعن المرتكبين لبعض الذنوب اعتبار عنوان الذنب ومفهوم الوصف كالظالمين والكاذبين دون القصد إلى واحد بخصوصه مما صدق عليه المفهوم كزيد الظالم وعمرو الكاذب، فيجوز لعن الله الظالمين ولعن الله الكاذبين مثلا دون لعن الله تعالى زيدا وعمرا الظالم والكاذب، بل نصوا على حرمة لعن كافر بعينه لم يتحقق بخبر المعصوم موته على الكفر كأبي جهل وأبي لهب. وقوله ﷺ حين رأى حيوانا وسم على وجهه: «لعن الله من فعل هذا» ليس نصا في لعن مخصوص لجواز اعتبار العموم. ولعن الملائكة المرأة التي تخرج من بيتها بغير أذن زوجها حتى تعود أيضا كذلك. وعن بعض المحققين أن اللعن في مثل {ألا لعنة الله على الظالمين} متوجه بالحقيقة إلى الوصف لا إلى صاحبه، والمراد ذم ذلك الوصف والتنفير عنه، وأنه لو فرض توجهه إلى المتلبس به يكون وجود الإيمان مانعا والمانع مقدم كما هو عند الشيعة. وأيضا وجود العلة مع المانع لا يكون مقتضيا فاللعن لا يكون مترتبا على وجود الصفة حتى يرتفع الإيمان المانع. وقوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا} الآية ظاهر في طلب المغفرة وترك العداوة للمؤمنين. ونطق الصحابة -الذين تسبهم الشيعة- بكلمة الإيمان وإقامتهم لشعائر الدين أمر معلوم لا يحتمل الإنكار بوجه. وكون ذلك عن نفاق أو مستتبعا بما يخالفه مما يحتاج إلى دليل يثبته وبرهان يحققه، وهو أحد المستحيلات. ولو سلم لكل أحد كل ما يقوله من الاحتمالات العقلية وإن لم يبرهن عليها لسلم كلام النواصب والخوارج في حق الأمير كرم الله وجهه وترهاتهم التي تمجها الأسماع في شأنه وفي ذلك من الفساد ما فيه. ومتى كان الإيمان ثابتا لا ينبغي إلا الترضي والاستغفار دون السب واللعن. وقد استدل بعض أصحابنا للنهي عن اللعن بقوله سبحانه: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} بناء على أن الأمر بالشيء نهي عن ضده كما ذهب إليه الإمامية. وبالجملة حرمة سب الصحابة مما لا ينبغي أن ينتطح فيه كبشان أو يتنازع فيه اثنان. وأطلق غير واحد القول بكفر مرتكب ذلك لما فيه من إنكار ما قام الإجماع عليه قبل ظهور المخالف من فضلهم وشرفهم، ومصادمة المتواتر من الكتاب والسنة القائلين على أن لهم الزلفى من ربهم. ومن هنا كفر من كفر الرافضة. واستدل لكفرهم أيضا بما رواه البيهقي في دلائل النبوة بسند حسن عنه ﷺ أنه قال: «يخرج قبل قيام الساعة قوم يقال لهم الرافضة يرفضون الإسلام فاقتلوهم فإنهم مشركون» وأشار إلى ذلك الصرصري في قصيدته النونية النبوية بقوله: وكذاك أخبر أن سب صحابه ** ما للمصر عليه من غفران علما بقوم يجهرون بسبهم ** من كل غمر فاحش لعان وروي عن الإمام مالك أنه قال: من شتم أحدا من أصحاب النبي ﷺ أبا بكرا أو عمر أو عليا أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال كانوا على ضلال وكُفر قتل ولم يؤول له. وفي لفظ: يقتل من كفر الصحابة كلهم أو واحدا منهم لأن من كفر مسلما فقد كفر فما بالك بالصحابة وهم أساس الإسلام وعماده. وذهب القاضي حسين إلى أن سب الشيخين كفر وإن لم يكن بما فيه اكفارهما، وإلى ذلك ذهب معظم الحنفية. والأصح من مذهب الشافعية أن السب بما فيه إكفار الصحابة كفر وهو السب الذي اتخذه عبادة شيعة زماننا ودرج عليه الكُميلية من الشيعة أيضا. فعلى هذا لا ينبغي لأحد أن يرتاب في كفرهم بناء على أن سبهم للصحابة بما فيه إكفارهم وحاشاهم ويلزم من إكفارهم بغضهم وهو كفر أيضا كما صرح به الطحاوي وغيره. واستدل له بعض الأئمة بقوله تعالى في حقهم: {ليغيظ بهم الكفار} وكذا استحلال إيذائهم وهو كفر أيضا، كما لا يخفى. وفي الأنوار: لو استحل إيذاء أحد من الصحابة كفر. وفي الاعلام أن استحلال إيذاء غير الصحابة من المسلمين مكفر فما ظنك باستحلال إيذائهم . وكذا يلزم ذلك إنكار خلافة الخلفاء منهم. وفي البزازية أن من أنكر خلافة أبي بكر فهو كافر في الصحيح وأن من أنكر خلافة عمر فهو كافر في الأصح، وفي التاتارخانية مثل ذلك. والذي نعلمه من الشيعة اليوم التصريح بكفر الصحابة الذين كتموا النص ولم يبايعوا عليا كرم الله وجهه بعد وفات النبي ﷺ كما بايعوا أبا بكر كذلك، وكذا التصريح ببغضهم واستحلال إيذائهم وإنكار خلافة الخلفاء الراشدين منهم والتهافت على سبهم ولعنهم تهافت الفراش على النار. وقد أجمع أهل المذاهب الأربعة من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على القول بكفر المتصف بذلك. وما روي عن بعضهم من أن السابّ يضرب أو ينكل نكالا شديدا محمول على ما إذا لم يكن السب بما يوجب تكفيرهم وكان خاليا عن دعوى بغض وارتداد واستحلال إيذاء، وليس مراده من أن حكم الساب مطلقا ذلك كما لا يخفى على المتتبع. وذكر صاحب التحفة الاثني عشرية عليه الرحمة أن الصحابة الذين أثنى عليهم الله تعالى في كتابه بما أثنى -وهم الذين ولع الرافضة بسبهم وبغضهم- مثل الأنبياء ـ عليهم السلام ـ في أن سبهم وطعنهم من العصيان بمكان. ونص كلامه ـ قدس سره ـ: ثم ينبغي أن يعلم ههنا دقيقة وهي أن سب الأنبياء ـ عليهم السلام ـ والطعن فيهم والعياذ بالله تعالى إنما صار حراما وكفرا لأن وجه السب وهو المعاصي والكفر لا يوجد في أولئك الكبار البتة بل يمتنع بالضرورة، وإنما الموجود فيهم ما يوجب تعظيمهم وتكريمهم وتوقيرهم والثناء الجميل عليهم والمحامد الحسنة لهم، ومن عداهم من جماعة المؤمنين الذين ثبت تعظيمهم وتكريمهم ومغفرة ذنوبهم وتكفير سيئاتهم بنصوص الكتاب المجيد فهم في حكمه لا محالة في حرمة السب والطعن والتحقير والإهانة، غاية الفرق بين الفريقين أن الأنبياء لم يوجد فيهم أصلا ما يوجب هذه الأمور وهؤلاء وجد فيهم فانعدم، والمعدوم بالعدم الطارئ كالمعدوم بالعدم الفطري في هذا الباب، ولهذا كانت نسبة الذنب السابق المتوب عنه إلى التائب حراما، فإن «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» وليس لعوام الأمة ممن عدا الصحابة هذه المرتبة، لأن تكفير سيئاتهم ومغفرة ذنوبهم أمر معلوم لنا بالقطع من الوحي والتنزيل وقبول طاعاتهم وتعلق رضاء الله تعالى بأعمالهم على الخصوص أمر متيقن أيضا، فهم متوسطون بين الأنبياء والأمة، ولهذا لن يصل أحد من غير الصحابة وإن كان مطيعا متقيا إلى درجتهم أصلا انتهى. وهذا كلام حسن وفيه تأييد لما ذكرنا من أن اعتبار ذنب مغفور في غاية السفه. وكذا أجمع السادة الصوفية ـ قدس الله أسرارهم ـ من القادرية والنقشبندية والجشتية والكبروية والسهروردية وغير ذلك على وجوب محبة الصحابة كبارهم وصغارهم وتكريمهم وتوقيرهم واعتقاد أنهم أفضل البشر بعد الأنبياء ـ عليهم السلام ـ وحرمة سبهم وطعنهم وأن سابهم وطاعنهم من الضالين الخاسرين. وفي كتاب الغنية المنسوب لحضرة الغوث الرباني والهيكل الصمداني قطب دائرة العارفين ومربي المسترشدين والسالكين المحبوب السبحاني حضرة الشيخ عبد القادر الكيلاني ـ قدس سره وغمرنا برّه - ما ينادي على ذلك بأعلى صوت، بل صرح ـ قدس سره ـ فيها بتشبيه الرافضة -عاملهم الله تعالى بعدله- باليهود والنصارى، وهو ظاهر في إكفارهم. ومن تتبع كتب القوم قدست أسرارهم رآهم أشد الخلق حبا لأصحاب رسول الله ﷺ بأسرهم وأكثر الناس بغضا للرافضة الطاغين فيهم. نعم إن للصوفية نوع اختصاص بعلي كرم الله وجهه حتى شاع أن الصوفية علوية لما أن سلاسل الطرائق منتهية إليه وواردة عليه فهو باب الولاية وأبو الإرشاد، ولا يجرهم هذا إلى الابتداع وتنقيص أحد من الصحابة الكرام . ومن نسب إليهم ذلك وحاشاهم فقد ضل ضلالا بعيدا. وإذا أحطت خبرا بما ذكرنا ظهر لك أن من سب أو طعن أو بغض أو كفر أحدا من الصحابة لا سيما كبارهم كالخلفاء الراشدين وزعم حل ذلك عند أحد من أهل السنة والجماعة فقد أعظم الفرية بغير مرية. كيف لا وأحد الأمور التي ميزت أهل السنة عن الشيعة حبهم لأصحاب نبيهم وتعظيمهم إياهم وقولهم فيهم إنهم أفضل البشر بعد النبيين والترضي عنهم أجمعين؛ لا كما عليه الشيعة من بغضهم لهم وتحقيرهم وقولهم فيهم إنهم شر الخلق ولعنهم وسبهم في كل وقت وحين، ولم يستثنوا أحدا من ذلك سوى ستة أو سبعة أو ما قارب ذلك. وبالجملة إن نسبة حل السب لأهل السنة في الكذب مثل قول القائل الضدان يجتمعان والأربعة فرد والثلاثة زوج وشريك الباري ممكن بالإمكان الخاص ونحو ذلك. ولا ينبغي أن يزاد في جواب زاعم ما ذكر من تلك النسبة على قول: {ألا لعنة الله على الكاذبين} لظهور كذبه وغنائه عن البيان عند من عرف معنى لفظ أهل السنة والجماعة. هذا والكلام في خصوص حل سب معاوية وإكفاره ولعنه يعلم أيضا حكمه مما تقدم وقد صرح الإمام مالك بأن من قال إنه كان على ضلال وكفر قتل. ويفهم من الرواية الأخرى أن من كفره فقد كفر وكذا من قال بحل لعنه كما يقتضيه كلامهم. فإنه من كبار الصحابة وكان أحد الكتّاب لرسول الله ﷺ كما صح في مسلم وغيره. وفي حديث سنده حسن: «كان معاوية يكتب بين يدي رسول الله » قال المدايني: كان زيد بن ثابت يكتب الوحي وكان معاوية يكتب للنبي ﷺ على وحي ربه. وهي مرتبة رفيعة. وروى الترمذي وقال إنه حديث حسن «أن رسول الله دعا له فقال: اللهم اجعله هاديا مهديا» ودعاءه لأمته مستجاب ومتى كان هذا مستجابا كان في معاوية صفتان يقعدان لاعنه ومكفره على عجزه. وأخرج الملا في سيرته ونقله عنه المحب الطبري في رياضه أنه ﷺ قال: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأقواهم في دين الله تعالى عمر وأشدهم حياء عثمان وأقضاهم علي ولكل نبي حواري وحواري طلحة والزبير وحيث ما كان سعد بن أبي وقاص كان الحق معه وسعيد بن زيد من أحباء الرحمن وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن وأبو عبيدة بن الجراح أمين الله تعالى وأمين رسول الله ﷺ وصاحب سري معاوية بن أبي سفيان فمن أحبهم فقد نجا ومن أبغضهم فقد هلك» وفي هذا من الدلالة على فضله ما لا يخفى. وقد فاز بمصاهرة النبي ﷺ فإن أم حبيبة أم المؤمنين أخته وقد قال : «دعوا أصحابي وأصهاري فإن من حفظني فيهم كان معه من الله تعالى حافظ ومن لم يحفظني فيهم تخلى الله تعالى منه ومن تخلى الله تعالى منه يوشك أن يأخذه» رواه الإمام الحافظ أحمد بن منيع. وروى الحارث بن أبي أسامة عن النبي : «عزيمة من ربي وعهد عهده إلي أن لا أتزوج إلى أهل بيت ولا أزوج بيتا إلا كانوا رفقائي في الجنة» والأخبار المشعرة بفضله كثيرة. وما طعن به المخالف مردود عليه. وقد ألف العلامة ابن حجر للسلطان همايون من سلاطين الهند رسالة نفيسة في الذب عن معاوية سماها تطهير اللسان والجنان عن الحظور والتفوه بثلب سيدنا معاوية بن أبي سفيان، وأجاب عن الأخبار الموهمة للنقص في حقه . ونزول الحسن له عن الخلافة ومبايعته عليها ووقوع الإجماع إذ ذاك على خلافته لا يبقي سبيلا إلى سبه، ويجعل القول بكفره والعياذ بالله تعالى كفرا لا شبهة فيه لما فيه من تضليل الأمة التي لا تجتمع على ضلالة أبدا، لا سيما ومن جملة المجمعين المعصوم وهو الحسن على ما هو معتقد الشيعة. ودعوى الإكراه قد مر الجواب عنها فتذكر. والكلام في عمرو بن العاص نظير الكلام في معاوية كما علمت مما روي عن الإمام مالك وغيره. وقد كان النبي ﷺ يقربه ويدنيه بعد أن أسلم وولاه غزاة ذات السلاسل وأمده بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح ثم استعمله على عمان فتوفي وهو أميرها. ثم كان من أمراء الأجناد في الجهاد بالشام في زمن عمر وهو الذي افتتح قنسرين وصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية. وأخرج أحمد من حديث طلحة أحد العشرة رفعه: «عمرو بن العاص من صالحي قريش» ورجال سنده ثقات إلا أن فيه انقطاعا بين ابن أبي مليكة وطلحة. وأخرجه البغوي وأبو يعلى من هذا الوجه وفيه زيادة: «نعم أهل البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله» وموافقته لمعاوية في قتال علي كرم الله وجهه ليس بكفر على ما علمت. ويدل على ذلك أيضا ما رواه الطبراني بسند رجاله موثقون على خلاف في بعضهم أن الأمير كرم الله وجهه قال: «قتلاي وقتلا معاوية في الجنة» فإنه ظاهر في أن الأمر كان عن اجتهاد وللمخطئ فيه أجر واحد وللمصيب أجران إلى عشرة أجور. وقد جاء في صحيح البخاري عن عكرمة عن ابن عباس ما يدل على أن معاوية كان من أهل الاجتهاد. ونص غير واحد على أن عمرو بن العاص أيضا كذلك. فهو معذور فيما صدر منه وإن كان مخطئا كسائر من بغى على علي كرم الله وجهه. والحكايات الدالة على أنه إنما وافق معاوية للدنيا لا للدين مما نقلها المؤرخون في كتبهم من غير سند لها لا يعول عليها، وحال المؤرخين في النقل معلومة فلا ينبغي الاغترار بنقلهم إلا إذا وجدت فيه شروط القبول. ومما لا يعول عليه من ذلك ما نقله ابن الوردي أن عمرا انحرف يوما عن معاوية فاستعتبه معاوية فأنشده: معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل ** به منك دنيا فانظرن كيف تصنع فإن تعطني مصرا وتربح صفقتي ** شريت بها شخصا يضر وينفع فولاه مصر وجهزه إليها لذلك. والثابت عند أهل الأخبار أنه ولي مصر وسار إليها بعد ما كان من أمر الحكمين وحكم فيها من صفر سنة ثمان وثلاثين إلى أن مات. وأما أنه أنشد ما أنشد فغير ثابت. ومما ينتظم في هذا السلك بعض الأخبار المشعرة بذمه وذم اجتماعه مع معاوية؛ وهو ما روي أن شداد بن أوس دخل على معاوية وعمرو معه على فراشه فجلس بينهما وقال: أتدرون ما أجلسني بينكما إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إذا رأيتموهما جميعا ففرقوا بينهما فوالله ما اجتمعا إلا على غدرة فأحببت أن أفرق بينكما» انتهى فإن هذا الخبر لم يثبت لأن في سنده من قال الحافظ الهيثمي فيه: لا أعرفه. وبعض المحققين أجاب عنه على تقدير صحته بما لا يخلو عن نظر. نعم ضرر اجتماعهما في قتال الأمير كرم الله تعالى وجهه والبغي عليه أمر ظاهر لا مساغ لإنكاره، إلا أنهما معذوران عند أكثر الجماعة أو مكفَّر عنهما ذلك على ما أشير إليه في ما سبق. ولو لم يُقل بهذا ولا ذاك فنهاية ما يمكن أن يقال كونهما آثمين، وأما الكفر وحل اللعن والسب فما لا يمكن أن يقال بوجه من الوجوه وحال من الأحوال. ومما هو ظاهر في أن عمرا لم يكفر بما فعل أن الأمير كرم الله وجهه تمكن من قتله في صفين كما هو مشهور عند الموافق والمخالف ولم يقتله ولو كان كما يزعمه الشيعة لما منعه من قتله مانع كما لا يخفى. وبالجملة تكفير أحد من الصحابة الذين تحقق إيمانهم وصدقهم وعدم نفاقهم والإقدام على لعنه بمجرد شبهة هي أوهن من بيت العنكبوت كفر صريح لا ينبغي أن يتوقف فيه. وللشيعة الذين في زماننا الحظ الأوفى من هذا الكفر لأنهم كفروا إناسا من الصحابة كان الأمير يصلي وراءهم ويقتدي بهم في الجمع والجماعات كأبي بكر وعمر وعثمان وقد درج معهم على أحسن حال وأرفه بال، زوج ابنته أم كلثوم من عمر ونكح هو كرم الله وجهه من سبي أبي بكر خولة الحنفية وصدر منه كرم الله وجهه من حسن المعاملة مع الخلفاء ما لا يقبل تأويلا. وهو مما يلقم الشيعة حجرا لكونهم أسوأ الخلق عقيدة وأكثرهم جرأة وأظهرهم ضلالا. قال في تبصرة الحقائق: الشاك في كفرهم إن شك في أن قولهم هل هو فاسد أم لا فهو كافر وإن علم أن قولهم ضلال وبدعة وشك في كونه كفرا ففي تكفير خلاف. وممن حكم بكفر الشيعة وإلحاق ديارهم بدار الحرب جماعة من المتأخرين كالعلامة ابن كمال وشيخ الإسلام أبي السعود وغيرهما. ولولا خوف الإطناب لأتيت من فضائحهم بالعجب العجاب، وفيما ذكرناه كفاية فيما نحن بصدده من الجواب. والله تعالى الهادي إلى صوب الصواب. الخاتمة في تفاوت الصحابة في الفضل وأما الخاتمة ونسئل الله تعالى حسنها ففي تفاوت الصحابة في الفضل اعلم أن أفضل الخلق على الأصح وعليه أكثر الناس الأنبياء ـ عليهم السلام ـ وأفضلهم المرسلون وأفضلهم أولوا العزم وأفضلهم محمد ﷺ وهل هو أفضل من المجموع كما أنه أفضل من كل واحد أم لا فيه خلاف، والذي أميل إليه الأول. وأفضل الأمم أمته كما يشهد له الآيات والأخبار وأفضلهم صحابته للآيات أيضا وللأحاديث البالغة مبلغ التواتر وإن كانت تفاصيلها آحاد وأفضلهم الخلفاء الأربعة الراشدون وهم في الفضل كما روي عن أبي منصور الماتريدي وأبي الحسن الأشعري على ترتيبهم في الإمامة وعن مالك تقديم علي كرم الله وجهه على عثمان وادعى غير واحد رجوعه إلى ما تقدم، ثم تمام العشرة ثم أهل بدر ثم أهل أحد ثم أهل بيعة الرضوان. وممن له مزية لا تنكر أهل العقبتين من الأنصار وكذلك السابقون الأولون. وقد تجتمع صفتان فأكثر في شخص واحد من الصحابة فيكون بدريا أحديا من أهل بيعة الرضوان مثلا ولا يلزم من ذلك محذور تفضيل الشيء على نفسه كما لا يخفى. وقال بعضهم: أفضل الصحابة أهل الحديبية وأفضلهم أهل أحد وأفضلهم أهل بدر وأفضلهم العشرة وأفضلهم الخلفاء الأربعة وأفضلهم أبو بكر . وزعمت الخطابية أن أفضلهم عمر بن الخطاب والشيعة أن أفضلهم علي كرم الله وجهه وأنف بعضهم عن أن يقال فيه كرم الله وجهه إنه أفضل الصحابة وأنشد في ذلك: يقولون لي فضل عليا عليهم ** وكيف أقول الدر خير من الحصى ألم تر أن السيف ينقص قدره ** إذا قيل هذا السيف خير من العصا وزعمت الراوندية أن أفضل الصحابة العباس بن عبد المطلب وتوقف بعض الناس على تفضيل أحد منهم بخصوصه وقال: الأسلم بعد اعتقاد جلالتهم عدم الخوض في التفضيل فليس هنا ما يفيد اليقين. وفي المواقف وشرحه بعد كلام في تعيين الأفضل من الصحابة أن مسألة الأفضلية لا مطمع فيها من الجزم بها إذ لا دلالة للعقل بطريق الاستقلال على الأفضلية بمعنى الأكثرية في الثواب بل مستندها النقل وليست مسألة يتعلق بها عمل فيكفي بها الظن بل هي مسألة علمية يطلب فيها اليقين والنصوص بعد تعارضها لا تفيد القطع على ما لا يخفى على منصف لأنها بأسرها إما آحاد أو ظنية الدلالة وليس الاختصاص بكثرة أسباب الثواب موجبا لزيادته قطعا لأن الثواب تفضل من الله تعالى عند أهل الحق فله أن لا يثيب المطيع ويثيب غيره وثبوت الإمامة وإن كان قطعيا لا يفيد القطع بالأفضلية بل غايته الظن كيف ولا قطع بأن إمامة المفضول لا تصح مع وجود الفاضل لكنا أوجدنا السلف قالوا بأن الأفضل أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وحسن ظننا بهم يقضي بأنهم لو لم يعرفوا ذلك لما أطبقوا عليه فوجب علينا اتباعهم في ذلك القول وتفويض ما هو الحق فيه إلى الله تعالى وإلى عدم الجزم ذهب الآمدي. انتهى المراد منه ولا تخفى متانته. وفي فتوحات الشيخ الأكبر ـ قدس سره ـ ما يوافق ذلك فإنه قال: إن تقديم الخلفاء بعضهم على بعض لا يقتضى الجزم بالتفضيل بل ذلك راجع إلى الله تعالى ولم يعلم به فالله سبحانه يحفظنا من الفضول. وفي كلام الشيخ السهروردي في عقيدته ما يوافقه أيضا. ونقل عن الباقلاني أيضا أن مسألة التفضيل على الترتيب المشهور ظنية، وفي ذلك مخالفة لما عليه الإمام الأشعري حيث ذهب إلى أنها قطعية، قيل: وعليه فضل علي كرم الله وجهه على سائر الصحابة مبتدع قطعا وعلى القول الآخر فيه لا قطع بابتداعه، والمشهور عند الجماعة إطلاق القول بابتداعه وأن من فضّله كرم الله وجهه بالمحبة مبتدع أيضا ما لم يكن من ذريته، وهو خلاف الإنصاف كما لا يخفى على منصف. ومن الناس من لم ير تفضيله على الكل ابتداعا لما ثبت من جلة من أئمة الحديث أنه ما ورد في صحابي ما ورد في علي كرم الله وجهه من الأخبار النبوية والمدائح المصطفوية مع ما تواتر عنه من الشجاعة والعلم والإيثار وملازمة النبي ﷺ صغيرا وكبيرا وغير ذلك، وكون غيره أشجع منه وأعلم وأكثر ملازمة له ﷺ في حيز المنع وجعل الابتداع عدم توفية الباقين حقهم من التفضيل، بل قد يجر ذلك إلى الكفر والعياذ بالله تعالى وأطال الكلام في ذلك وفيه نظر. ونقل عن آخرين أنه كرم الله وجهه ولما اجتمع فيه من الصفات ما لم يجتمع في غيره كان هو الخليفة بعد رسول الله ﷺ بلا فصل ولكن من طريق الباطن الذي يدور على الإرشاد وتربية المريدين وتصفية بواطنهم وغير ذلك مما تقتضيه الولاية، وأما أبو بكر فهو خليفة رسول الله ﷺ أيضا بلا فصل أيضا ولكن من طريق الظاهر الذي يدور عليه سد الثغور وتجهيز الجيوش وتنفيذ الأحكام وحفظ بيضة الإسلام ونحو ذلك. ومن هنا كان معظم سلاسل السادة الصوفية قدست أسرارهم منتهية إلى علي كرم الله وجهه دون غيره من الصحابة الكرام انتهى. وأنت تعلم أن دعوى خلافتين ظاهرية وباطنية غير مسلمة عند أهل الظاهر وإثباتها عليهم صعب جدا فتأمل. واعلم أيضا أن المشهور أيضا من مذهب الجماعة أنه -وهو الحق- لا يبلغ أحد من الأمة إلى يوم القيامة درجة واحد من الصحابة في الفضل ولو فعل ما فعل من الطاعات. ويشهد له ظواهر كثير من الآي والأخبار. وعلى هذا جاء ما نقل عن الإمام الجليل عبد الله بن المبارك ـ عليه الرحمة ـ أنه سئل فقيل له: يا أبا عبد الرحمن أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: "والله إن الغبار الذي دخل في أنف فرس معاوية مع رسول الله ﷺ أفضل من عمر بألف مرة، صلى معاوية خلف رسول الله ﷺ فقال رسول الله سمع الله لمن حمده فقال معاوية : ربنا ولك الحمد. فما بعد هذا" الشرف الأعظم. وأما ما روي عن أنس عن النبي ﷺ أنه قال: «أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم أخره» فلا يعارض ما تدل عليه تلك الظواهر لأن المراد منه كما قال ابن قتيبة تقريب آخر هذه الأمة إلى أولها في الفضل كما تقول لا أدري أوجه هذا الثوب خير أم مؤخره وقد علمت أن وجهه خير، ولكنك تؤيد تقريب مؤخره من وجهه في الجودة، وغير ذلك مما هو مذكور في محله. هذا والحمد لله حمدا غضا والصلاة والسلام على نبيه النبيه حتى يرضى وعلى آله وأصحابه نجوم الهداية ورجوم الغواية ما ظهر الحق والصواب وأحرق شياطين الأوهام من فلك العلم شهاب. وكتب أفقر العباد إليه عز شأنه أبو الثناء شهاب الدين السيد محمود المفتي ببغداد عفى عنه سنة 1254 رمضان. ثم طبع هذا الكتاب المستطاب الحري أن يكتب بالتبر المذاب على ذمة حضرة السيد أحمد شاكر أفندي وشبل المؤلف المرحوم لا زال راتعا في رياض الفضائل والعلوم وذلك سنة 1301 من ذي القعدة الحرام. ------------------------------------ الكتاب الثاني ------------------------------------ أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية للقرافي رب يسر وأعن يا الله الحمد لله محكم الصنائع ومحكم البدائع ومميز القطر والطبائع ومرقيها إلى أعلى المراقي وأسنى المطالع ومودعها أنوار حكمته المشرقة اللوامع وناصبها للذب عن العقائد والأديان والشرائع ومؤيدها بالبراهين الظاهرة والأدلة الباهرة القواطع. أحمده على الإسلام الذي هو ناسخ للملل ورافع، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أجاهد بها عن الحق وأدافع، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث لكل دان من الخلق وشاسع، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما سجد له ساجد وركع راكع. هذا ولما رأيت مولانا السلطان الملك الكامل الناصر لدين الله بالمعالي الجامع للمفاخر والمعالي -أدام الله نصرته وأعز أسرته وحمى به منار الملك وأسرته، وشكر عن المسلمين والإسلام سيرته وسريرته، ونور في أعلى منار بالشريعة بصره وبصيرته، ولا زالت دولته طويلا ديلها جميلا مع الليالي والأيام سيرها وسبيلها مجلوبا على الأولياء خيرها مجلبا على الأعداء حلها- قد أقام للعلوم أسواقا فأفاضت به تفد الأفول أقمارها وظهرت به بعد الدروس آثارها وجمع بسعادته ما تفرق من شملها وقوي بإنعامه ما وهن من حبلها وعظم بإكرامه ما انحمل من أهلها، فصار جنابه مراد الرائدين وملجأ الوافدين والقاصدين وموسم الآمال وكعبة الإقبال، يهدي إليه كل أحد على قدره وطاقته ومكنته من الفضل واستطاعته رجاء النفاق عليه، إذ لا موئل للأفاضل والفضائل إلا إليه، إذ هو بصير العلماء وخبير الفضلاء، إن قصد إليه فنعم مطرح الرجاء وإن استند إليه كان محط الالتجاء. لما رأى المملوك تفننهم في الإهداء وما يعرضونه بمقام البهاء والسناء من كلام منثور ومنظوم كالوشي المرقوم والسحاب المركوم، وهو ذو إصغاء إلى قليلهم لا يمل من ناثرهم وناظمهم وناقلهم، إن نظر كان له نظر مصيب وإن تكلم وجد له في كل علم نسيب، أجلتُ طرف الفكر ميدان النظر أي فن أقصد إليه وأرجو من الله أن يثيبني في الآخرة عليه، فظهر لي أن أولى ما تصرف إليه الهمم وتتفاوت فيه القيم وتتنافس فيه الأفاضل ويتميز به المفضول من الفاضل الذب عن حوزة الدين وحراسة بيضة المسلمين بالبحث في الملل والأديان وإقامة الدليل على وحدانية الملك الديان بالنظر السليم والفكر القويم المفضي إلى المعارف المنجي من المتالف الداعي إلى الرشاد المنقذ من الضلال والفساد المفترض على العباد، ليعرف الله تعالى حق معرفته وينزه عما يجوز على بريته، مظهرا للدين الحنيفي الدعائم والأركان موضحا ظهوره على جميع الأديان. فنظرت في أهل الشرائع والمذاهب وتفكرت فيمن هو فيها عن التوحيد ذاهب، فلم أجد سوى مذهب النصارى الضالين الحيارى المتشبثين بخيوط العنكبوت القائلين بحلول اللاهوت في الناسوت. ووجدتهم مع قلة علمهم وعدم فهمهم وكثرة جهلهم قد طبقوا أكثر الأرض بطولها والعرض، فقلت: الآن ظفرت بطلبي وحصل لي بحمد الله مطلبي، فرأيت أن أصنف لمولانا السلطان أعزه الله تعالى في الرد عليهم كتابا أتحفه فيه بغريبه وأنفرد فيه بطريقة عجيبة، أجمع فيه مذاهبهم على جليتها وأخاطبهم بفصوص نصوصهم وأجادلهم بها مجادلة الأقران وأبارزهم على نقضها مبارزة الشجعان. وبالاختبار تظهر حيلة الأسرار، وبالامتحان يكرم الرجل أو يهان. وسميت الكتاب أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية، وقسمته على أربعة أصول: الأصل الأول: حكاية مذهب النصارى على جليته وكيف استدلوا بزعمهم على صحته من المنقول واعتقاد كل فريق منهم في الإله من طريق المعقول وسبب وضعهم للأمانة وحكاية مجامعهم العشرة وكيف كفّر بعضهم بعضا ولعن بعضهم بعضا، وكيف ارتكبوا في هذه المجامع الضلالات ووقعوا في حيرة في معرفة خالق الأرضين والسموات، وكلما أرادوا أن يخرجوا بجمع منها إلى الوجود ردتهم قلة معرفتهم إلى نهاية الجمود. وفي هذا الأصل سبعة فصول. الأصل الثاني: في الرد عليهم، وفيه نقض الفصول. وفي هذا الأصل تبيين كشف أسرارهم وهتك أسرارهم وأنهم ارتكبوا المستحيل وخالفوا ما جاء في التوراة والإنجيل. الأصل الثالث: في بيان غلط النقلة للأناجيل وبيان تناقضها. الأصل الرابع: في ذكر النبي الأمي في الإنجيل كما أخبر عنه في محكم التنزيل. أما الأصل الأول فيتضمن سبعة فصول: الفصل الأول: في حلول الكلمة بزعمهم في مريم البتول واتحادها مع يسوع. الفصل الثاني: في سبب كون المسيح جاد بنفسه وسهل عليه سفك دمه. الفصل الثالث: في حكاية صلب المسيح بزعمهم. الفصل الرابع: في دليلهم على الثالوث من المنقول وتمثيلهم له بالمعقول. الفصل الخامس: في إشارة التوراة إلى الصليب وإلى ضرب الناقوس. الفصل السادس: في إشارة التوراة وكتب الأنبياء إلى مجيء المسيح إما بإشارة أو بتصريح. الفصل السابع: في اعتقاد كل فريق منهم في الإله من طريق المعقول وسبب وضعهم للأمانة وذكر مجامعهم العشرة. الفصل الأول في حلول الكلمة واتحادها بيسوع زعمت النصارى أن الله سبحانه لما خلق السماوات والأرض كان قد قدّر في الأزل أن آدم عليه السلام يعصي ربه عز وجل وأن الشيطان يغويه، فلما عصاه وأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها عاقبه وذريته بورود جهنم. ولما رحم الله تعالى عباده وأشفق عليهم ألقى كلمته إلى مريم البتول فتجسدت الكلمة في جوفها فخرج منها إله تام من إله تام، نور من نور. قالوا: فخلص سيدهم يسوع المسيح العالم من حبال الشياطين التي كانوا يقودون فيها الآدميين إلى الجحيم، فما عرفته الشياطين وظنوا أنه واحد من بني آدم، فصُلب وقتل بغير ذنب، وعند ذلك تردّى إلى الجحيم فكسر أبوابها وأخرج منها أولياء الله وأنبياءه ثم صعد إلى السماء. وزعموا أنهم يرونه يوم القيامة على تلك الهيئة، أعني قاعدا على يمين أبيه يدين الأمم. الفصل الثاني في سبب كونه جاد بنفسه وسهل عليه سفك دمه قالوا أما سبب كونه جاد بنفسه وسهل عليه سفك دمه ليكون ذلك سنة في القرابين ويكون مجيئه لتنقذ الأولياء والصالحين من الذنب الذي كانوا به معاقبين، إذ كانوا بذنب آدم الذي عصى ربه معذبين، فخلصهم بالماء والدم اللذين خرجا منه عندما صلب على الصليب وطعنه يودس بالحربة. والحربة إلى اليوم مع الصليب الذي صلب عليه موجودا في الكنائس. ولأجل ذلك إشارة التوراة في القرابين التي أمر الله بها موسى عليه السلام في التثنية من ذبح الأنعام وإراقة الدماء تقربا إلى الله تعالى. الفصل الثالث في حكاية صلب المسيح بزعمهم قالوا: قال داود عليه السلام في المزمور الواحد والعشرين الذي حكى فيه صلب المسيح، قالوا: قال سيدنا المسيح وهو على الصليب: "إلهي إلهي لماذا أهملتني، كلمات بعيدة عن خلاصي، إلهي دعوت نهارا فلم تسمع، وليلا فلم أسكت، هللت في القدس: يا مادح إسرائيل، عليك توكلوا آباؤنا فأنجيتهم، إليك هجوا وخلصوا، عليك توكلوا فلم يخزوا، فأما أنا فدودة وليس إنسانا، عار البشر وزالة الشعب، وأنت يا رب رجائي، من ثدي أمي عليك ألقيت من الرحم من بطن أمي، أنت هو إلهي، لا تبعد عني فإن الشدة قريبة، أحدقت بي عجول كثيرة وثيران سمان اكتنفتني، وجعلوا المرارة طعامي، وفي عطشي أسقوني خلّا، ثقبوا يدي ورجلي، أحصوا جميع عظامي، نج نفسي من الحوبة، وخلصني من فم الأسد، لأخبر باسمك في إخوتي وفي وسط الجماعة أسبحك، يخبر بالرب الجليل ويبشرون بعدله الشعب المولود الذي اصطنع الرب. الفصل الرابع في دليل الثالوث من التوراة والإنجيل..

  الكتاب الاول الأجوبة العراقية على الأسئلة اللاهورية لأبي الثناء شهاب الدين محمود الحسيني الآلوسي البغدادي نزل اللهم يا ...